للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَهِيَّ الْمَنْظَرِ كَثِيرَ الْعِبَادَةِ، عَلَيْهِ سُكُونٌ وَوَقَارٌ، بَاشَرَ إِمَامَةَ الْكَلَّاسَةِ قَرِيبًا مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثم طلب إِلَى أَنْ يَكُونَ خَطِيبًا بِدِمَشْقَ بِالْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ مِنْهُ وَلَا طَلَبٍ، فَبَاشَرَهَا سِتَّةَ أشهر ونصف أَحْسَنَ مُبَاشَرَةٍ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ طَيِّبَ النَّغْمَةِ عارفا بصناعة الموسيقى، مَعَ دِيَانَةٍ وَعِبَادَةٍ، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ تُوُفِّيَ فَجْأَةً بِدَارِ الْخَطَابَةِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ثَامِنِ شَوَّالٍ عَنْ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ وَقَدِ امْتَلَأَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ بِسُوقِ الْخَيْلِ وَحَضَرَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ وَالْأُمَرَاءُ وَالْعَامَّةُ، وَقَدْ غُلِّقَتِ الْأَسْوَاقُ ثُمَّ حُمِلَ إِلَى سَفْحِ قَاسِيُونَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسَبْعِمِائَةٍ

اسْتَهَلَّتْ وَالْحُكَّامُ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، والشيخ تقي الدين بن تيمية معتقل فِي قَلْعَةِ الْجَبَلِ بِمِصْرَ، وَفِيَ أَوَائِلِ الْمُحَرَّمِ أظهر السلطان الملك الناصر الغضب على الأمير ابن سَلَّارَ وَالْجَاشْنَكِيرِ وَامْتَنَعَ مِنَ الْعَلَامَةِ (١) وَأَغْلَقَ الْقَلْعَةَ وَتَحَصَّنَ فِيهَا، وَلَزِمَ الْأَمِيرَانِ بُيُوتَهُمَا، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَحُوصِرَتِ الْقَلْعَةُ وَجَرَتْ خَبْطَةٌ عَظِيمَةٌ، وَغُلِّقَتِ الْأَسْوَاقُ، ثُمَّ رَاسَلُوا السُّلْطَانَ فَتَأَطَّدَتِ الْأُمُورُ وَسَكَنَتِ الشُّرُورُ عَلَى دَخَنٍ، وَتَنَافُرِ قُلُوبٍ.

وَقَوِيَ الْأَمِيرَانِ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَا

قَبْلَ ذَلِكَ وَرَكِبَ السُّلْطَانُ وَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى دَخَنٍ.

وَفِي المحرم وقعت الحرب بن التَّتَرِ وَبَيْنَ أَهْلِ كِيلَانَ (٢) ، وَذَلِكَ أَنَّ مَلِكَ التَّتَرِ طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا فِي بِلَادِهِمْ طَرِيقًا إِلَى عَسْكَرِهِ فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ مَلِكُ التَّتَرِ خَرْبَنْدَا جَيْشًا كَثِيفًا سِتِّينَ أَلْفًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ، أَرْبَعِينَ أَلْفًا مَعَ قُطْلُوشَاهْ وَعِشْرِينَ أَلْفًا مَعَ جُوبَانَ، فَأَمْهَلَهُمْ أَهْلُ كِيلَانَ حَتَّى تَوَسَّطُوا بِلَادَهُمْ، ثُمَّ أَرْسَلُوا عَلَيْهِمْ خَلِيجًا مِنَ الْبَحْرِ وَرَمَوْهُمْ بِالنِّفْطِ فَغَرِقَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاحْتَرَقَ آخَرُونَ، وَقَتَلُوا بِأَيْدِيهِمْ طَائِفَةً كَثِيرَةً، فَلَمْ يُفْلِتْ منهم إلا القليل، وكان فيمن قُتِلَ أَمِيرُ التَّتَرِ الْكَبِيرُ قُطْلُوشَاهْ، فَاشْتَدَّ غَضَبُ خَرْبَنْدَا عَلَى أَهْلِ كِيلَانَ، وَلَكِنَّهُ فَرِحَ بِقَتْلِ قُطْلُوشَاهْ فَإِنَّهُ كَانَ يُرِيدُ قَتْلَ خَرْبَنْدَا فَكُفِيَ أمره عنهم، ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَهُ بُولَايْ.

ثمَّ إنَّ مَلِكَ التتر أرسل الشيخ براق الَّذِي قَدِمَ الشَّامَ فِيمَا تَقَدَّمَ إِلَى أَهْلِ كِيلَانَ يُبْلِغُهُمْ عَنْهُ رِسَالَةً فَقَتَلُوهُ وَأَرَاحُوا النَّاسَ مِنْهُ، وَبِلَادُهُمْ مَنْ أَحْصَنِ الْبِلَادِ وَأَطْيَبِهَا لَا تُسْتَطَاعُ، وَهُمْ أَهْلُ سُنَّةٍ وَأَكْثَرُهُمْ حَنَابِلَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ مُبْتَدِعٌ أَنْ يَسْكُنَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.

وَفِي يوم الجمعة رابع عشر صفر اجتمع الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ بِالشَّيْخِ تَقِيِّ الدين بن تَيْمِيَّةَ فِي دَارِ الْأَوْحَدِيِّ مِنْ قَلْعَةِ الْجَبَلِ، وَطَالَ بَيْنَهُمَا الْكَلَامُ ثُمَّ تَفَرَّقَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مُصَمِّمٌ عَلَى عَدَمِ الْخُرُوجِ مِنَ السِّجْنِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الثَّالِثِ والعشرين


(١) العلامة: هي ما يكتبه السلطان بخطه على صورة اصطلاحية.
وكان لكل سلطان علامة وتوقيع (التعريف بمصطلحات صبح الاعشى ص ٢٥٣، المواعظ والاعتبار للمقريزي ٢ / ٢١١ وصبح الاعشى ٦ / ٣١٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>