الدنيا: وحدثني مسلمة بن شبيب عن الحميدي عن سفيان سمعت سالم بن أبي حفصة قال قال الحسن: لما جئ برأس الحسين جعل يزيد يطعن بالقضيب، قال سفيان وأخبرت أن الحصين كان ينشد على إثر هذا:
سمية أمسى نسلها عدد الحصى … وبت رسول الله ليس لها نسل
واما بقية أهله ونسائه فإن عمر بن سعد وكل بهم من يحرسهم ويكلؤهم، ثم أركبوهم على الرواحل في الهوادج، فلما مروا بمكان المعركة ورأوا الحسين وأصحابه مطرحين هنالك بكته النساء، وصرخن، وندبت زينب أخاها الحسين وأهلها، فقالت وهي تبكي:
يا محمداه، يا محمداه … صلى عليك الله … وملك السماه … هذا حسين بالعراه … مزمل بالدماه، مقطع الأعضاء يا محمداه … وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة، تسفي عليها الصبا. قال فأبكت والله كل عدو وصديق.
قال قرة بن قيس لما مرت النسوة بالقتلى صحن ولطمن خدودهن، قال: فما رأيت من منظر من نسوة قط أحسن منظر رأيته منهن ذلك اليوم، والله إنهن لأحسن من مهابيرين. وذكر الحديث كما تقدم. ثم قال: ثم ساروا بهم من كربلاء حتى دخلوا الكوفة فأكرمهم ابن زياد وأجرى عليهم النفقات والكساوى وغيرها، قال: ودخلت زينب ابنة فاطمة في أرذل ثيابها قد تنكرت وحفت بها إماؤها، فلما دخلت على عبيد الله بن زياد قال: من هذه؟ فلم تكلمه، فقال بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة، فقال: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وكذب أحدوثتكم. فقالت: بل الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا لا كما تقول، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر. قال: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتكم؟ فقالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فيحاجونك إلى الله. فغضب ابن زياد واستشاط، فقال له عمرو بن حريث: أصلح الله الأمير! إنما هي امرأة، وهل تؤاخذ المرأة بشئ من منطقها؟ إنها لا تؤاخذ بما تقول ولا تلام على خطل.
وقال أبو مخنف عن المجالد بن سعيد: إن ابن زياد لما نظر إلى علي بن الحسين " زين العابدين " قال لشرطي (١): أنظر أأدرك هذا الغلام، فإن كان أدرك فانطلقوا به فاضربوا عنقه؟ فكشف إزاره عنه فقال: نعم! فقال: اذهب به فاضرب عنقه، فقال له علي بن الحسين: إن كان بينك وبين هؤلاء النسوة قرابة فابعث معهن رجلا يحافظ عليهن، فقال له ابن زياد: تعال أنت! فبعثه معهن. قال أبو مخنف: وأما سليمان بن أبي راشد فحدثني عن حميد بن مسلم قال: إني لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه علي بن الحسين، فقال له ما اسمك؟ قال: أنا علي بن
(١) في ابن الأعثم ٥/ ٢٢٨ والطبري ٦/ ٢٦٣ وابن الأثير ٤/ ٨٢: مري بن معاذ الأحمري.