شاهنشاه المعظم ملك المشرق والمغرب طغرلبك، أبي طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق، وعلى رأس الكتاب العلامة السلطانية بخط السلطان. حسبي الله ونعم الوكيل. وكان في الكتاب: والآن قد سرت بنا المقادير إلى هلاك كل عدو في الدين، ولم يبق علينا من المهمات إلا خدمة سيدنا ومولانا القائم بأمر الله أمير المؤمنين، وإطلاع أبهة إمامته على سرير عزه، فإن الذي يلزمنا ذلك، ولا فسحة في التقصير فيه ساعة من الزمان، وقد أقبلنا بجنود المشرق وخيولها إلى هذا المهم العظيم، ونريد من الأمير الجليل علم الدين إبانة النجح الذي وفق له وتفرد به وهو أن يتم وفاءه من إقامته وخدمته، في باب سيدنا ومولانا أمير المؤمنين، إما أن يأتي به مكرما في عزه وإمامته إلى موقف خلافته من مدينة السلام، ويتمثل بين يديه متوليا أمره ومنفذا حكمه، وشاهرا سيفه وقلمه، وذلك المراد، وهو خليفتنا وتلك الخدمة بعض ما يجيب له، ونحن نوليك العراق بأسرها ونصفي لك مشارع برها وبحرها، لا يطؤها حافر خيل من خيول العجم شبرا من أراضي تلك المملكة، إلا ملتمسا لمعاونتك ومظاهرتك، وإما أن تحافظ على شخصه الغالي بتحويله من القلعة إلى حين نحظى بخدمته، فليمتثل ذلك ويكون الأمير الجليل مخيرا بين أن يلقانا أو يقيم حيث يشاء فنوليه العراق كلها، ونستخلفه في الخدمة الامامية، ونصرف أعيننا إلى الممالك الشرقية، فهمتنا لا تقتضي إلا هذا.
فعند ذلك كتب قريش إلى مهاوش بن مجلي الذي عنده الخليفة يقول له: إن المصلحة تقتضي تسليم الخليفة إلي، حتى آخذ لي ولك به أمانا، فامتنع عليه مهارش وقال قد غرني البساسيري ووعدني بأشياء لم أرها، ولست بمرسله إليك أبدا، وله في عنقي أيمان كثيرة لا أغدرها، وكان مهارش هذا رجلا صالحا، فقال للخليفة: إن المصلحة تقتضي أن نسير إلى بلد بدر بن مهلهل، وننظر ما يكون من أمر السلطان طغرلبك، فإن ظهر دخلنا بغداد، وإن كانت الأخرى نظرنا لأنفسنا، فإني أخشى من البساسيري أن يأتينا فيحضرنا. فقال له الخليفة: افعل ما فيه المصلحة. فسارا في الحادي عشر من ذي القعدة إلى أن حصلا بقلعة تل عكبرا، فتلقته رسل السلطان طغرلبك بالهدايا التي كان أنفذها، وجاءت الاخبار بأن السلطان طغرلبك قد دخل بغداد، وكان يوما مشهودا، غير أن الجيش نهبوا البلد غير دار الخليفة، وصودر خلق كثير من التجار، وأخذت منهم أموال كثيرة، وشرعوا في عمارة دار الملك، وأرسل السلطان إلى الخليفة مراكب كثيرة من أنواع الخيول وغيرها، وسرادق وملابس، وما يليق بالخليفة في السفر، أرسل ذلك مع الوزير عميد الملك الكندري، ولما انتهوا إلى الخليفة أرسلوا بتلك الآلات إليه قبل أن يصلوا إليه، وقالوا: اضربوا السرادق وليلبس الخليفة ما يليق به، ثم نجئ نحن ونستأذن عليه فلا يأذن لنا إلا بعد ساعة طويلة، فلما فعلوا ذلك دخل الوزير ومن معه فقبلوا الأرض بين يديه، وأخبروه بسرور السلطان بسلامته، وبما حصل من العود إلى بغداد، وكتب عميد الملك كتابا إلى السلطان يعلمه بصفة ما جرى، وأحب أن يضع الخليفة علامته في أعلا الكتاب ليكون أقر لعين السلطان، وأحضر الوزير دواته ومعها سيف