للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأحرق، ثم انشمر إليون في السفن وأخذ ما أمكنه من أمتعة الجيس في الليل، وأصبح وهو في البلد محاربا للمسلمين، وأظهر العداوة الأكيدة، وتحصن واجتمعت عليه الروم، وضاق الحال على المسلمين حتى أكلوا كل شئ إلا التراب، فلم يزل ذلك دأبهم حتى جاءتهم وفاة سليمان بن عبد الملك وتولية عمر بن عبد العزيز، فكروا راجعين إلى الشام، وقد جهدوا جهدا شديدا، لكن لم يرجع مسلمة حتى بنى مسجدا بالقسطنطينية (١) شديد البناء محكما، رحب الفناء شاهقا في السماء (٢).

وقال الواقدي: لما ولي سليمان بن عبد الملك أراد الإقامة ببيت المقدس، ثم يرسل العساكر إلى القسطنطينية، فأشار عليه موسى بن نصير بأن يفتح ما دونها من المدن والرساتيق والحصون، حتى يبلغ المدينة، فلا يأتيها إلا وقد هدمت حصونها ووهنت قوتها، فإذا فعلت ذلك لم يبق بينك وبينها مانع، فيعطوا بأيديهم ويسلموا لك البلد، ثم استشار أخاه مسلمة فأشار عليه بأن يدع ما دونها من البلاد ويفتحها عنوة، فمتى ما فتحت فإن باقي ما دونها من البلاد والحصون بيدك، فقال سليمان: هذا هو الرأي، ثم أخذ في تجهيز الجيوش من الشام والجزيرة فجهز في البر مائة وعشرين ألفا، وفي البحر مائة وعشرين ألفا من المقاتلة، وأخرج لهم الأعطية، وأنفق فيهم الأموال الكثيرة، وأعلمهم بغزو القسطنطينية والإقامة إلى أن يفتحوها، ثم سار سليمان من بيت المقدس فدخل دمشق وقد اجتمعت له العساكر فأمر عليهم أخاه مسلمة، ثم قال: سيروا على بركة الله، وعليكم بتقوى الله والصبر والتناصح والتناصف. ثم سار سليمان حتى نزل مرج دابق، فاجتمع إليه الناس أيضا من المتطوعة المحتسبين أجورهم على الله، فاجتمع له جند عظيم لم ير مثله، ثم أمر مسلمة أن يرحل بالجيوش وأخذ معه إليون الرومي المرعشي، ثم ساروا حتى نزلوا على القسطنطينية فحاصرها إلى أن برح بهم وعرض أهلها الجزية على مسلمة فأبى إلا أن يفتحها عنوة، قالوا: فابعث إلينا إليون نشاوره، فأرسله إليهم، فقالوا له: رد هذه العساكر عنا ونحن نعطيك ونملك علينا، فرجع إلى مسلمة: فقال: قد أجابوا إلى فتحها غير أنهم لا يفتحونها حتى تتنحى عنهم، فقال مسلمة: إني أخشى غدرك، فحلف له أن يدفع إليه مفاتيحها وما فيها، فلما تنحى عنهم أخذوا في ترميم ما تهدم من أسوارها واستعدوا للحصار. وغدر إليون بالمسلمين قبحه الله.

قال ابن جرير: وفي هذه السنة أخذ سليمان بن عبد الملك العهد لولده أيوب أنه الخليفة من بعده، وذلك بعد موت أخيه مروان بن عبد الملك، فعدل عن ولاية أخيه يزيد إلى ولاية ولده أيوب، وتربص بأخيه الدوائر، فمات أيوب في حياة أبيه، فبايع سليمان إلى ابن عمه عمر بن


(١) كان مسلمة قد بنى مدنية القهر حذاء مدينة القسطنطينية وبها بنى مسجدا عظيما.
(٢) انظر الكامل ج ٥/ ٢٩ والطبري ٨/ ١١٨ والعيون والحدائق ص ٢٥ التنبيه والاشراف ص ١٦٥ ورواية لابن الأعثم مطولة مختلفة ٧/ ٢٩٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>