للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَقَرَةِ مِنْ تَحْتِ عَرْشِي * ثمَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ الرَّبيع بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ بِطُولِهِ، كَمَا سُقْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جَرِيرٍ فِي التَّفسير، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ فِي سِيَاقِهِ: ثمَّ لَقِيَ أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَأَثْنَوْا عَلَى ربِّهم عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اتَّخذني خَلِيلًا، وَأَعْطَانِي مُلْكًا عَظِيمًا، وَجَعَلَنِي أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ محياي ومماتي، وَأَنْقَذَنِي مِنَ النَّار، وَجَعَلَهَا عليَّ بَرْدًا وَسَلَامًا.

ثمَّ إنَّ مُوسَى أَثْنَى عَلَى ربِّه فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كلَّمني تَكْلِيمًا، وَاصْطَفَانِي بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ، وقرَّبني نَجِيًّا، وَأَنْزَلَ عليَّ التَّوراة، وَجَعَلَ هلاك فرعون عَلَى يَدَيَّ.

ثمَّ إنَّ دَاوُدَ أَثْنَى عَلَى ربِّه فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي مَلِكًا وَأَنْزَلَ عليَّ الزَّبور، وَأَلَانَ لِيَ الْحَدِيدَ، وسخَّر لي الجبال يسبِّحن معه والطَّير، وَآتَانِيَ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ.

ثمَّ إنَّ سُلَيْمَانَ أَثْنَى عَلَى ربِّه فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لِيَ الرِّياح وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وسخَّر لِيَ الشَّياطين يَعْمَلُونَ لِي مَا شِئْتُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ، وعلَّمني مَنْطِقَ الطَّير، وَأَسَالَ لِي عَيْنَ الْقِطْرِ،

وَأَعْطَانِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي.

ثمَّ إنَّ عيسى أثنى على الله عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَّمَنِي التَّوراة وَالْإِنْجِيلَ، وَجَعَلَنِي أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ، وطهَّرني ورفعني مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَأَعَاذَنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَلَمْ يَكُنْ للشَّيطان عَلَيْنَا سَبِيلٌ.

ثمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَى عَلَى ربِّه فَقَالَ: كلُّكم أَثْنَى عَلَى ربِّه، وَأَنَا مثنٍ عَلَى ربِّي، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.

وَكَافَّةً للنَّاس بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَأَنْزَلَ عليَّ الفرقان فيه تبيان كل شئ، وَجَعَلَ أمَّتي خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَجَعَلَ أمَّتي وسطاً، وجعل أمَّتي هم الأوَّلون وهم الآخرون، وَشَرَحَ لِي صَدْرِي، وَوَضَعَ عنِّي وِزْرِي، وَرَفَعَ لِي ذِكْرِي، وَجَعَلَنِي فَاتِحًا وَخَاتَمًا.

فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: بِهَذَا فَضَلَكُمْ مُحَمَّدٌ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * ثمَّ أورد إبراهيم الْحَدِيثَ المتقدِّم فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طريق عبد الرحمن بن يزيد بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخطَّاب مَرْفُوعًا فِي قَوْلِ آدم: يَا ربِّ أَسْأَلُكَ بحقِّ محمَّد إِلَّا غَفَرْتَ لِي، فَقَالَ اللَّهُ: وَمَا أَدْرَاكَ وَلَمْ أَخْلُقْهُ بَعْدُ؟ فَقَالَ: لأنِّي رَأَيْتُ مَكْتُوبًا مَعَ اسْمِكَ عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَعَرَفْتُ أنَّك لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلَّا أحبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ، فَقَالَ اللَّهُ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ، وَلَوْلَا محمَّد مَا خَلَقْتُكَ * وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: رَفَعَ اللَّهُ ذِكْرَهُ، وقرنه بِاسْمِهِ فِي الأوَّلين وَالْآخِرِينَ، وَكَذَلِكَ يَرْفَعُ قَدْرَهُ وَيُقِيمُهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَغْبِطُهُ بِهِ الأوَّلون وَالْآخَرُونَ، وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ الْخَلْقُ كلَّهم حَتَّى إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ، كَمَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِيمَا سَلَفَ وَسَيَأْتِي أَيْضًا، فَأَمَّا التَّنويه بِذِكْرِهِ في الأمم الخالية، والقرون السَّابقة، ففي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عبَّاس قَالَ: مَا بعث لله نَبِيًّا إِلَّا أُخِذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقُ لَئِنْ بُعِثَ محمد وهو حي ليؤمنن بهه وليتَّبعنَّه ولينصرنَّه، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أمَّته الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهْمُ أَحْيَاءٌ لِيُؤْمِنُنَّ بِهِ وليتَّبعنَّه، وَقَدْ بشَّرت بِوُجُودِهِ الْأَنْبِيَاءُ حتَّى كَانَ آخِرَ مَنْ بشَّر بِهِ عِيسَى بن مَرْيَمَ خَاتَمُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَذَلِكَ بشَّرت به الاحبار الرهبان والكهَّان، كَمَا قدَّمنا ذَلِكَ مَبْسُوطًا، ولمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ رُفِعَ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ حتَّى سلَّم عَلَى إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ في السَّماء

<<  <  ج: ص:  >  >>