للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطُّوفان مَاءُ غَضَبٍ وَنِقْمَةٍ، وَأَيْضًا فإنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَسْتَسْقِي بالعبَّاس عَمِّ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسْقَوْنَ، وَكَذَلِكَ مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ فِي غَالِبِ الأزمان والبلدان، يستسقون فيجابون فيسقَون، و [غيرهم] لا يجابون غالباً ولا يسقون وَلِلَّهِ الْحَمْدُ * قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: وَلَبِثَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، فبلغ جميع من آمن رِجَالًا وَنِسَاءً، الَّذِينَ رَكِبُوا مَعَهُ سَفِينَتَهُ، دُونَ مائة نفس، وآمن بنبينا - فِي مُدَّةِ عِشْرِينَ سَنَةً، - النَّاس شَرْقًا وَغَرْبًا، وَدَانَتْ لَهُ جَبَابِرَةُ الْأَرْضِ وَمُلُوكُهَا، وَخَافَتْ زَوَالَ مُلْكِهِمْ، كَكِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَسْلَمَ النَّجاشيّ وَالْأَقْيَالُ رَغْبَةً فِي دِينِ اللَّهِ، وَالْتَزَمَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ به من عظماء الأرض الجِّزية، والأيادة عن صغار، أهل نجران، وهجر،

وأيلة، وأنذر دُومَةَ، فذلُّوا لَهُ مُنْقَادِينَ، لِمَا أيَّده اللَّهُ بِهِ مِنَ الرُّعب الَّذِي يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيْهِ شَهْرًا، وَفَتَحَ الْفُتُوحَ، وَدَخَلَ النَّاس فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) * [النَّصْرِ: ١ - ٣] قُلْتُ، مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ لَهُ الْمَدِينَةَ وَخَيْبَرَ وَمَكَّةَ وَأَكْثَرَ الْيَمَنِ وَحَضْرَمَوْتَ، وتوفِّي عَنْ مِائَةِ أَلْفِ صَحَابِيٍّ أَوْ يَزِيدُونَ * وَقَدْ كَتَبَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ الْكَرِيمَةِ إِلَى سَائِرِ مُلُوكِ الْأَرْضِ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَمِنْهُمْ مَنْ أجاب وَمِنْهُمْ مَنْ صَانَعَ وَدَارَى عَنْ نَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تكبَّر فَخَابَ وَخَسِرَ، كَمَا فَعَلَ كِسْرَى بن هرمز حين عتى وَبَغَى وتكبَّر، فمزِّق مُلْكُهُ، وتفرَّق جُنْدُهُ شَذَرَ مَذَرَ، ثمَّ فَتَحَ خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ، أَبُو بَكْرٍ ثمَّ عُمَرُ ثمَّ عُثْمَانُ ثمَّ علي التَّالي عَلَى الْأَثَرِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، مِنَ الْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ إِلَى الْبَحْرِ الشَّرقي، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: زويت لي الاوض فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا (١) * وَقَالَ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله (٢) * وكذا وقع سواء بسواء، فقد استولت الْمَمَالِكُ الْإِسْلَامِيَّةُ عَلَى مُلْكِ قَيْصَرَ وَحَوَاصِلِهِ، إِلَّا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَجَمِيعِ مَمَالِكِ كِسْرَى وَبِلَادِ الْمَشْرِقِ، وَإِلَى أَقْصَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ، إِلَى أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه في سنة ستة وثلاثين * فَكَمَا عمَّت جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ النَّقمة بِدَعْوَةِ نوح عليه السلام، لما رآهم عَلَيْهِ مِنَ التَّمادي فِي الضَّلال وَالْكُفْرِ وَالْفُجُورِ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ غَضَبًا لِلَّهِ وَلِدِينِهِ وَرِسَالَتِهِ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَغَضِبَ لِغَضَبِهِ، وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ بِسَبَبِهِ، كذلك عمَّت جميع أهل الأرض بِبَرَكَةِ رِسَالَةِ محمَّد صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعْوَتِهِ، فَآمَنَ مَنْ آمَنَ مِنَ النَّاس، وَقَامَتِ الحجَّة عَلَى مَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: * (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) * [الأنبياء: ١٠٧] وَكَمَا قَالَ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّما أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ * وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ في كتاب البعث: حدَّثني عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعْمَانِيُّ، حدَّثنا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ سعيد بن جبير


(١) أخرجه مسلم في الفتن باب (٥) ح (٢٠) ص (٢٢١٦) عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وآله.
وأحمد في مسنده ج ٤ / ١٢٣ و ٥ / ٢٧٨، ٢٨٤ والبخاري في علامات النبوة في الاسلام.
(٢) أخرجه مسلم في الفتن ص (٤ / ٢٢٢٧) وأخرجه البخاري في علامات النبوة في الاسلام، والامام أحمد في
المسند: ٢ / ٢٣٣، ٢٤٠، ٥٠١ - ٥ / ٩٢، ٩٩.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>