النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ لَمَّا قَرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ عَلَى النَّاسِ فَسَكَتُوا.
فقال (الجن كانو أَحْسَنَ مِنْكُمْ رَدًّا مَا قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ فَبِأَيِّ آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا ولا بشئ مِنْ آلَائِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ) رَوَاهُ الترمذي عن جبير وَابْنِ جَرِيرٍ وَالْبَزَّارِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَدِ اختلف فِي مُؤْمِنِي الْجِنِّ هَلْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَوْ يَكُونُ جَزَاءُ طَائِعِهِمْ أَنْ لَا يُعَذَّبَ بِالنَّارِ فَقَطْ.
عَلَى قَوْلَيْنِ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الجنَّة لِعُمُومِ الْقُرْآنِ * وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ.
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرَّحْمَنِ: ٦٤] فَامْتَنَّ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَلَوْلَا أَنَّهُمْ يَنَالُونَهُ لَمَا ذَكَرَهُ وَعَدَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّعَمِ * وهذا وحده دليل مستقل كافي في المسألة وحده وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ أنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: (إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ وَبَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جن ولا إنس ولا شئ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) * قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم * انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ.
وَأَمَّا كَافِرُو الْجِنِّ فَمِنْهُمُ الشَّيَاطِينُ وَمُقَدِّمُهُمُ الْأَكْبَرُ إِبْلِيسُ عَدُوُّ آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ وَقَدْ سَلَّطَهُ هُوَ وَذُرِّيَّتَهُ عَلَى آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ.
وَتَكَفَّلَ اللَّهُ عزوجل بِعِصْمَةٍ مَنْ آمَنَ بِهِ وصدَّق رُسُلَهَ وَاتَّبَعَ شَرْعَهُ مِنْهُمْ.
كَمَا قَالَ (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا) [الإسراء: ٦٥] وَقَالَ تَعَالَى (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كل شئ حفيظ) [سبأ: ٢٠] وقال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عنهما لباسهما ليريهما سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يؤمنون) [الْأَعْرَافِ: ٢٧] وَقَالَ: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ.
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ.
فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.
إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ يا إبليس مالك أن لا تكون مِنَ السَّاجِدِينَ قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صلصال من حماء مَسْنُونٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ.
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ.
قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.
إلا عبادك الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ.
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ.
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ.
لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مقسوم) [الحجر: ٢١] .
[*]