للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بناء على ما حققه ابن عبد البر فيما كتبه أن الخائن ابن أبى أرطأة قد بعث لدعوة الناس إلى مبايعة معاوية وفى حالة عدم مبايعتهم فإنه مأذون أن يستخدم معهم الشدة والغلظة، مع أن الذين رأوا ما أظهره حضرة جابر من شجاعة فى هذا الموضوع أعجبوا بها وقالوا لا يستطيع أن يقبل هذه البيعة وانسحب إلى حرة بنى سليم رافضين عرضه واتحد جابر مع أفراد بنى سليم ونجى من يد غدر ابن أرطأة وظلمه. ومع هذا لما فهم حضرة جابر أنه لن ينجو من يد بسر إذا لم يبايع معاوية وأن غرض بسر الحقيقى كان أن يقبض على جابر مهما بذل فى سبيل ذلك من تضحيات أو مال وفعلا بدأ فى التحريات فى هذا الخصوص. ولما اطلع جابر على ذلك لقى أم سلمة-رضى الله عنها-من أمهات المؤمنين وقال لها إن البيعة التى يطلبها بسر بيعة ضالة باطلة، ولكننى إذا رفضتها فلا شك بأنه سيقتلنى فما رأيكم فى هذا الخصوص؟ فقالت له: «على رأيى يجب أن تذهب بنفسك وتبايعه حتى تمنع وقوع نار الفتنة! فقد بعثت بابنى عبد الله (١) بن أبى سلمة أيضا لذلك وإنه سيذهب للمبايعة».وبما أن أم سلمة رضى الله عنها أفتت بلزوم البيعة فبايع مضطرا وهكذا نجى بنفسه من يد ظلم ابن أرطأة.

وكان من عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوصى برعاية أهل المدينة ويحذر من إخافتهم وقد ورد فى ذلك أحاديث كثيرة ومن ضمن ما قاله أمير الممالك والشفقة-عليه أطيب التحية- «المدينة دار هجرتى والمكان الذى رحلت إليه، فمن واجب أمتى اجتناب الكبائر ومراعاة جانب جيرانى، وكل من لا يحترمهم ولا يرعاهم يسقيهم الله يوم القيامة من عصارة أهل النار. والحديث إن المدينة مهجرى ومضجعى! إننى سأبعث من هناك فالذى يليق بأمتى رعاية جيرانى والمحافظة عليهم! وكل من يحافظ‍ على وصيتى فإننى سأكون له شهيدا يوم القيامة، والذين يضيعون وصاياى فالله سبحانه وتعالى يسقيهم يوم القيامة من


(١) عبد الله بن أبى سلمة هذا قد استشهد فى داخل الحرم النبوى من قبل مسلم بن عقبة فى وقعة الحرة إذ رفض أن يبايع يزيد.
والذى فى تاريخ الطبرى أنه عمر ابن أبى سلمة. تاريخ الطبرى ١٣٩/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>