ولم يفكر الوليد فى مثل هذه الأمور الدقيقة بل طلب من عمر بن عبد العزيز هدم حجرات زوجات النبى صلى الله عليه وسلم وإدخالها فى ساحة المسجد وهذا الطلب قد ملأ القلوب باليأس وجلب الحزن والهم والغم للجميع ومن هنا رجوا من عمر بن عبد العزيز أن يطلب من الوليد بن عبد الملك أن يترك حجرات نساء النبى صلى الله عليه وسلم على حالها حتى يراها الزوار والحجاج ويعرضون عن زخارف الدنيا، وعرض عمر بن عبد العزيز ما اتفق عليه فقهاء المدينة وأجمعوا عليه، ولكن الوليد لم يرجع عن رأيه وأمر بأن تهدم مطلقا، فاضطر هنا عمر بن عبد العزيز إلى تنفيذ أمر وليد ولكنه أبقى حجرة السيدة فاطمة-رضى الله عنها-ولم يهدمها.
وحينما عرضت رسالة الوليد الغير مهذبة الأسلوب على سكان دار السكينة فلا يمكن وصف ما أحدثته الرسالة من هياج بين أهل المدينة فى ذلك اليوم، وأخذ الذين سمعوا بهدم حجرات الآيات النبوية أخذوا يبكون وينتحبون ويصيحون بحالة قد ترق لها حتى الجمادات، وقد انسحب كل واحد منهم فى ناحية وأخذ يبكى مهموما حتى أقلقوا من بالملأ الأعلى وغشيتهم بحار الهموم، وقد بلغ مقدار ما أظهره الوليد من الوقاحة فى هذا الشأن درجة أنه أراد أن يشرف بنفسه على هذا العمل دون أن يهدم الحجرات ويثير القيل والقال، فذهب محرما إلى مكة المكرمة بنية الحج ومر بالمدينة عند العودة، ولما رأى أن الحجرات المطهرة قد هدمت كلها بالقوة وأبقى حجرة فاطمة دون هدم فغضب غضبا شديدا واعتلى المنبر السعيد وألقى خطبة شنيعة.
وكان القائم على دار سعادة السيدة فاطمة فى ذلك الوقت هو «محسن بن الحسن بن على بن أبى طالب» -رضى الله عنهم-وكان محسنا يجلس فى منزله ويستمع إلى خطبة الوليد من نافذته.
وبما أن موقف محسن بن الحسن هذا أثار خصومة الوليد وغضبه نزل من على منبر الرسول وقال لابن أخيه عمر بن عبد العزيز، بما أنك هدمت جميع حجرات نساء النبى فمن غير المناسب أن تبقى على منزل فاطمة-رضى الله عنها-قائما، ولهذا آمرك أن تهدمه أيضا وعلى قول، نزل من على المنبر النبوى وأمر بهدم