وحينما ارتحل النبى صلى الله عليه وسلم شرع أهل المدينة عقب ذلك يأخذون من ترابه العنبرى مقدارا من التراب للاستشفاء وبهذا جعلوا قبر الرسول منقوبا محفورا، ولما كانت هذه الحال مخلة بأدب التعظيم، فقامت الصديقة-رضى الله عنها- ببناء حائط حول مضجع السعادة حتى يحافظ عليه، وقام أصحاب الإخلاص بثقب هذا الحائط أيضا إلا أن الصديقة قد سدت هذه الثغرة أيضا ومن هنا ظل قبر الرسول فى جهة من الجدار المبنى وذاتها السامية فى جهة أخرى من الجدار، وبهذا قسمت الحجرة المعطرة إلى جزأين، وكانت المشار إليها حينما تزور قبر الرسول وتنظفه بالكنس لم تكن تتستر وتظل مكشوفة، ولما توفى والدها ودفن بجانب النبى صلى الله عليه وسلم ظلت على تلك الحالة إذ كانت تدخل فى الحجرة بدون حجاب، ولكن بعد ما دفن فيها عمر بن الخطاب بعد موته كلما كانت تذهب ناحية قبر السعادة كانت تتستر لأن حضرة الفاروق لم يكن محرما، أى أنها لم تزر الحجرة بعد دفن عمر فيها مكشوفة دون حجاب.
وظل مربع مرقد السعادة إلى أن وسع عمر بن عبد العزيز المسجد الشريف على الهيئة التى جددها عبد الله بن الزبير عليها يعنى ظل مكشوفا وبالباب، وقد أحاط عمر بن عبد العزيز كما سبق ذكره أعلاه، السور المنخفض الذى بناه عمر بن الخطاب حول مرقد السعادة بجدار متين؛ وحتى لا يكون هذا الحائط شبيها بالكعبة المعظمة بناه على شكل شبه مثلث.
ولما كان الجدار الذى أقامه عمر بن عبد العزيز فى غاية الارتفاع ومسقوفا فكانت رؤية القبور من الخارج غير ممكنة، وقد جعل أحد جهات ذلك الجدار على شكل شبه مثلث بناء على رأى عروة بن الزبير واجتهاده، إذ تذكر الوليد بن عبد الملك الإهانة التى لحقت بالحسين بن على-رضى الله عنه-من أسافل الناس بسبب جنازة أخيه الحسن بن على-رضى الله عنهما-وفكر فى إحاطة مربع مرقد السعادة بجدار قوى الأساس ليحجب القبور الثلاثة عن أعين الناس، ويخيفها وكتب الأمر والكيفية إلى أمير المدينة عمر بن عبد العزيز، وحينما أخذ عمر بن عبد العزيز الرسالة التى كتبت بهذا الخصوص استهجن تنفيذ هذا الأمر