يتضرع للآلهة على الوجه الذى أوضحناه آنفا، وخرجت من بيتها عازمة على وضع حملها فى حافة واد جاف يقع خارج المدينة.
وفى طريقها قابلت ملكا منير الوجه، جميل المنظر، قادها إلى الغار وقال لها:
«كونى يقظة ولا تقلقى من أن ينال الطفل الذى ستضعينه أى أذى أو ضرر، فهذا الطفل خليل صاحب الكبرياء، والجد الجليل لخير الأنبياء، لذا فهو مصون فى كل الأحوال من ضرر ومن كيد الأعداء، ثم انسحب من الغار بعد أن أعد لها كل لوازم الوضع».
واستقر حضرة خليل الله على مهده المزين الذى نزل به جبريل-عليه السلام -وقرأ الأذان فى أذنه بعد أن قطع حبل سرته وألبسه الحلة. وبعد أن ألبسه الرداء الذى أتى به من الجنة، دخل الملك سالف الذكر إلى الغار وظل لفترة بجوار (أدنى ابنة نمرة).وفى الساعة التى ولد فيها إبراهيم-عليه السلام-تزلزل القصر الذى أقامه النمرود العنيد، وسمع هاتف بصورة تثير الفزع والدهشة قال:«لقد اقترب أوان هلاك ذلك الخبيث الذى أنكر إبراهيم» وجن جنون جماعة الشرك النماردة.
وتبعا للبحوث التى قام بها مؤلف «بدايع الزهور» فقد نتج عن اهتزاز قصر «النمرود» سقوط بعض شرفاته فجأة كما انقلبت الأصنام الموجودة به رأسا على عقب. وقد سمع صوت ذلك الهاتف عدة مرات فى ذلك اليوم المذكور وبعد هذا اليوم كان نمرود يسمع مقولة الهاتف فى كل مكان يذهب إليه.
وذات ليلة رأى فى رؤياه أن ضوء قمر يسطع من ضلع «آزر» ويغمر الأرض والسماء، نور بهى وأقلق سكان الأرض، وترددت فى أنحاء العالم وسمعت (جاء الحق وزهق الباطل) فأسقطت معابد الأصنام على الأرض.
وأوقعت النماردة-ذوى العاقبة السيئة-فى يأس وحرمان، وطاش صواب النمرود من هذه الرؤيا المخيفة وعند ما أفاق واسترد وعيه استدعى «آزر» وبادره بقص تفاصيل حلمه المخيف الذى رآه. إلا أن «آزر» دفع الهواجس عنه إذ قال: