للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دائم، ويسوق هؤلاء مواشيهم إلى الأماكن التى تمتاز بنقاء هوائها ووفرة مائها وكثرة أعشابها، والذين يشتغلون بالزراعة والفلاحة يسكنون القرى والأراضى الصالحة للزراعة. حتى إن عربان قبيلة عنزة التى تسكن فى الأراضى الواقعة فى شمال جزيرة العرب تمضى الصيف فى الشام وبغداد والجزيرة ذات الأراضى المعشوشبة، وتعود فى الشتاء إلى مواطنها الأصلية وتمضى الشتاء فى الوديان ذات العشب الوفير والماء الغزير.

والبدو تنحصر معايشهم فى منتجات الجمال والغنم والماعز فهم يقيمون فى الخيام، ولا يجدون أية صعوبة عندما يرتحلون من مكان إلى آخر. ولما كان هؤلاء يقضون حياتهم دائما فى الفيافى والصحارى منعزلين عن الحضارة لم يستطع أى ملك من الملوك أو سلطان من السلاطين الذين يخضعون لهم أن يدخلوهم تحت طاعتهم مثل الأقوام المتمدنة الأخرى.

أما انقياد البدو فى صدر الإسلام وخضوعهم لدولة الإسلام فيعود السبب فيه إلى ما كانت تتمتع به الدولة من السطوة القاهرة والقوة العظيمة.

والواقع يقتضى أن تكون الدولة التى تحكم جزيرة العرب صاحبة قوة قاهرة، وإذا فرضنا أن ولاة البلاد العربانية ذوو قدرة وقوة، ولكنهم يهملون فى الضبط‍ والربط‍ أو يتساهلون فيهما حتى لا يخلفوا لأنفسهم مشاكل تكون سببا فى أن عامة العربان يرفعون راية العصيان ويخالفون جميع الأوامر والآراء، وينقادون لمن اختاروه من بينهم شيخا لهم.

إن المشيخة بين العرب على الأقل شئ موروث أخذوه كابرا عن كابر، ولما كان كل شيخ راغبا فى حماية مصالحه الخاصة تراه يعمل على أن يستقل، ووفقا للمثل القائل «الحكم لمن غلب» فالشيوخ الضعاف والصغار يمضون حياتهم تحت حماية الأمراء الأقوياء الشكيمة من العربان.

وإن كانت طبيعة البدوى تتسم بالخشونة والرعونة، إلا أن هذه الخشونة ليست بدرجة تمنعه من الخضوع والانقياد لأوامر السلاطين العظام، ولديهم قابلية-بما

<<  <  ج: ص:  >  >>