يتمتعون به من دراية فطرية وذكاء جبلّى-لقبول شرف المدنية بسهولة، وأكبر دليل على ذلك دخول بعض أفراد القبائل تحت طاعة الدولة دون أن ينخدعوا بحيل مشايخهم، وذلك عندما ساقت الدولة العثمانية جنودها سواء أكان إلى عسير واليمن أو نواحى البحرين، وأخذوا ينشرون العدالة فى الأماكن التى تمركزوا فيها، وذلك عندما رأوا ما يتمتع به الذين يعيشون تحت طاعة أوامر الدولة من راحة وطمأنينة واستقرار.
ويتردد بعض البدو فى تصديق سطوة السلاطين القاهرة، ولما كانوا جهلة بما يعنى قوة الملوك وشوكتهم فهم معذورون فى التردد فى هذا الموضوع.
ومن الحالات الخاصة بالبدو ألا يصدقوا ما يسمعونه بآذانهم ولو كان متواترا ما لم يروا بأعينهم، وقد ضرب المثل المشهور الذى يقول «إن إيمان البدو فى عيونهم» تصديقا لتلك الحالة.
وبما أن قبائل العربان تعيش فى الصحارى وبين الجبال فى حالة ترحال دائم، لذا فإن بعض أفرادها لم يروا بعض مدن جزيرة العرب مرجعهم لشراء ملبوساتهم وحاجياتهم، ناهيك عن بعض المدن من البلاد العثمانية؟.
والبدو يتفوقون من حيث الشجاعة على المدنيين، والشجاعة أمر ضرورى للبدو، والسبب الرئيسى فى ذلك أنهم ليسوا كالحضريين الذين يحتمون بالدولة والحكومة التى يعيشون تحت جناح صيانتها، ويشتغلون بأمور معيشتهم من الكسب فى راحة وأمن، بل إن البدو يعيشون فى الأماكن الموحشة فى عزلة، وفى الصحارى بين التلال والجبال، ويجدون أنفسهم مضطرين للدفاع عن أولادهم وعيالهم وأموالهم وما يملكون ضد أضرار الأعداء، لذا تراهم يسيرون متسلحين دائما مستعدين ليلا ونهارا، للدفاع عن أنفسهم ضد الحوادث المضرة التى يتوقعونها فى كل لحظة.
وقد تمكنت هذه الفكرة من ذهن أى عربى بدوى بحيث لا يمكن تزحزحها.
ومن الأشياء التى تجلب أنظار المنصفين وتنال تقديرهم وتحير العقول تحمل البدو