وكانت أطراف الطرق بين المدن والقرى ممتلئة بالحدائق والبساتين، وكل بستان وحديقة مزينة بأنواع الفواكه والأزهار، وكانت هذه الفواكه والأزهار وفيرة كثيرة، بحيث كانت نساء القرى يخرجن للتنزه تحت الأشجار وفوق رءوسهن أسبتة وفى أيديهن خيوط القطن ينسجن وتمتلئ الأسبتة بالفواكه المتساقطة من الأشجار التى يسرن تحتها، ثم يعدن إلى منازلهن وقد تنزهن وحصلن على الفواكه، ومن الطبعى أن يرد للخاطر كيفية سقية هذه الحدائق الواسعة والبساتين الشاسعة فالإجابة على هذا الخاطر أن كثيرا من القنوات والجداول قد شقت حول نهر العرم فسقيت البساتين والحدائق بالمياه التى تجلبها هذه القنوات والجداول.
وبناء على هذا اكتسبت بلدة مأرب جودة فى الماء والهواء، كما أن الخضرة أكسبت البلدة جمالا ورونقا فاتسعت البلدة يوما بعد يوم، وأنشئت بساتين متصلة وحدائق متقاربة حول البلدة والطرقات.
وقد أصاب عقيدة أهالى مأرب الذين نالوا كل هذه النعم الإلهية، وحازوا العناية الإلهية ضعف ووهن إذا قالوا ماذا يحدث لنا؟ وماذا يكون مصيرنا إذا أمطرت السماء بغزارة وفاض نهر العرم وغمرت مياهه حدائقنا وبساتيننا التى بذلنا جهودا شاقة فى سبيل إنشائها وإنباتها؟ واستولى عليهم القلق والجزع نتيجة لمثل هذه الأفكار، وبناء على هذا فكر سبأ بن يشجب-على رواية-أو نعمان بن عاد-بناء على رواية أخرى-فى إقامة سد أمام نهر العرم طوله فرسخ وكذلك عرضه، وفعلا نفذ الفكرة وأنقذ أهل مأرب من هذا القلق الذى كان يقلق مضجعهم.
اختلف المؤرخون فى تحديد بانى سد مأرب، كما تنقل روايات مختلفة فى تعريف طول السد وعرضه ومتانته وضخامته.
قال الذين ذهبوا إلى أن بانيه نعمان بن عاد، أن طول السد وعرضه كان كل واحد منهما اثنى عشرة ألف خطوة وكان له فى ثلاثين مكانا قوائم، كما قال الذين زعموا أن بانى السد سبأ بن يشجب أنه لما تيقن أن عمره غير كاف لبناء مثل هذا السد الضخم فكر فى إتمام بنائه فى أقرب وقت ممكن؛ لذا أمر سكان سبعين