الشام العامرة لتحكم بينهم، وخرجوا جميعا للذهاب إلى حيث تقيم الكاهنة المشار إليها، ولما كانت منطقة الحجاز فى ذلك الوقت خالية من الطرق المنتظمة وليس بها قرى متقاربة أو عيون ماء أو آبار ممرات ضيقة لدفع الوحشة. ولا شك أن السير فى مثل هذه الطرق أمر مخيف، كما أن السير فى تلك الصحارى الخالية من المياه من الصعوبة بمكان، لذا حمل عبد المطلب ومن معه من صناديد قبيلة قريش ما يحتاجون إليه من أطعمة ومال يكفيهم إلى أن يصلوا إلى حدود الشام.
وعند ما ابتعدوا عن مكة ووصلوا إلى واد موحش عديم الماء نفد الماد الذى كان مع عبد المطلب وفئته وأوشكوا على الهلاك، وبعد أن احترقت أكبادهم من العطش. وطلبوا بعض الماء من خصومهم حتى ينجو من هذه المصيبة العظيمة، ولكنهم رفضوا قائلين: «نحن الآن فى واد تنعدم فيه فرصة العثور على نقطة ماء فإذا ما أعطينا لكم الماء فإننا سنتعرض للعطش الذى تعرضتم له كما أن الماء الذى معنا قليل يكاد أن يكفينا وهذا عذر مقنع فى عدم إمدادكم. فزادت حيرة عبد المطلب وجماعته وقلقهم عند ما تلقوا هذا الرد.
وعند ما رأى عبد المطلب هذا الجحود والإساءة من معارضيه سأل من معه مستطلعا رأيهم «ما رأيكم فى هذا الأمر؟! فقالوا نحن طوع أمرك، ننفذ ما تراه.
عندئذ قال: «رأيى أن يحفر كل واحد منكم قبرا لنفسه فى انتظار الموت، ومن يموت أولا يدفنه الذى ما زال على قيد الحياة، فإذا دفن كل من يموت يبقى فى النهاية جثمان شخص واحد بدون دفن والأفضل أن يبقى جثمان واحد فقط بدون دفن من أن تبقى أجسادنا جميعا فى العراء مكشوفة فليحفر كل واحد منكم قبرا طالما فيه القدرة على الحفر. وافق رفاقه على رأيه وحفر كل واحد منهم قبرا لنفسه وانتظر حلول أجله.
وبعد مدة قال عبد المطلب: «يا رفاقى-إن حفر قبر انتظارا للموت شئ عجيب لم يحدث منذ عهد آدم-عليه السلام-ويدل على عجزنا وضعف هممنا، فإذا قمنا وسرنا ربما يكتب الله لنا النجاة بأن نصل إلى بلدة أو قرية ويبعث لنا ماء