ومع هذا القول فإنهم عارضوه فاستجمع كل قوته وحاربهم ثلاثة أيام وثلاث ليال متواصلة، وفى النهاية لاذ الجراهمة بالفرار فدخل مكة المكرمة، واستولى عليها وقضى على جماعات الجراهمة الذين قبض عليهم وقهرهم.
واشترك فى هذه الحرب غبشان الخزاعى مع أبناء بكر بن عبد مناة بن كنانة.
وقد هلك وقتل كثير من الجراهمة، جزاء وفاقا لما اقترفوه من مظالم ومساوئ وكانت عاقبتهم جميعا أن أخرجوا من مكة وأبعدوا مطرودين إلى جبال اليمن.
والواقع أنه ما من حاكم اعتاد على أن يظلم داخل مكة إلا وهلك، وأخرج هو وقومه وقبيله منها! حتى أطلق على مكة اسم بكة نظرا لأن المدينة المباركة تبك أعناق الجبابرة.
وعلى الذين يرغبون فى معرفة تفاصيل هذه الواقعة الرجوع إلى الصورة الرابعة من الوجهة الرابعة من مرآة المدينة.
وخرجت حكومة مكة المشرفة من أيدى الجراهمة، وما أن أصبحت فى قبضة الخزاعيين وتصرفهم حتى رجع إليها بنو إسماعيل المنتشرون فى الممالك والبلدان وأقاموا داخل الأرض المقدسة لكعبة الله، بعد أن استأذنوا الخزاعيين فى هذا.
وبعد فترة قصيرة التمس مضاض بن عمرو الجرهمى إذنا بالإقامة فى مكة المكرمة فلم يوافق أفراد بنى خزاعة علي إقامة مضاض أو أى فرد من الجراهمة فى أرض مكة الطاهرة وأجابوه إذا تجاوز أحد منكم حدود الحرم الشريف سنقتله بلا تردد.
واستقبل مضاض بن عمرو رد بنى خزاعة بالصمت وحدث نفسه قائلا:
«سأجد لى حيلة فيما بعد لأقيم فى مكة».
وذات يوم صعد فوق جبل أبى قبيس يبحث عن إبله. فرأى إبله المفقودة بين يدى بنى خزاعة يذبحونها ويقسمونها بينهم، فراقبهم لفترة طويلة ثم قطع الأمل فى استرداد إبله وقال فى نفسه: «إذ هبطت إلى الوادى لن تسلم من القتل كما