الحارث فإنك إذا تصورت أن تتولى رئاسة قبائل قريش لفترة طويلة، فهذا الأمل واه وعبث بالنسبة لك. أما نحن فأبناؤنا وأتباعنا كثيرون، وسيئول لنا-ذات يوم -زمام الرئاسة وهو أمر غنى عن التعريف أو التذكير به.
فأجابه عبد المطلب: أتخيفنى بسبب قلة أولادى؟ إن شاء الله سيكون لى من الأبناء عشرة، وعندئذ أذبح أحدهم قربانا عند الكعبة ابتغاء مرضاة الله (١).
وحسب حكمة الله، فبعد فترة نال عبد المطلب ما تمناه وبلغ عدد أبنائه عشرة كاملة وعندئذ جال بخاطره ما نذر وأقلقه هذا الخاطر طويلا وأطال التفكر فى هذا الموضوع ثم قرر أن يستدعى أبنائه ويشرح لهم الأمر وأخذ موافقتهم واحدا بعد الآخر، ورأى أن يكتب أسماءهم كل على حدة على عشرة سهام من سهام القرعة، ثم أخذ هذه السهام، واصطحب أبناءه عند الصنم الكبير المسمى هبل داخل كعبة الله. وضرب القرعة لاستكشاف الطالع حسب العادة المتبعة فى الجاهلية، وخرجت القرعة باسم عبد الله والد النبى-صلى الله عليه وسلم-وأحب أولاده إليه وأفضلهم، ولم يأت هذا التفضيل والحب البشرى من الفراغ لأنه رأى فى المنام عدة مرات ما يبشر بأن هذا الابن سيكون له شأن كما رأى فى ولده هذا أشياء خارقة تدل على أنه سيكون والدا للجوهر النادر لسيد البشر، ونتيجة لكل هذا فإنه كان يفضل ابنه ويقدمه على إخوته، ويأمل بأن الله-سبحانه وتعالى- سينجيه من الذبح ونروى واحدة من الخوارق التى جعلت عبد المطلب يأمل أن يكون ابنه أبا سيد البشر.
أفشى عبد الله-ذات يوم-سرا لأبيه حيث قال: يا والدى العظيم، إننى متى أخرج من مكة وأصعد جبل ثبير وحيثما أجلس، يظهر فى ظهرى شعاعان من نور لامع يتجه أحدهما وينتشر ناحية الشرق وينتشر الآخر ناحية الغرب، وبعد فترة يتجمعان مثل السحاب الممطر الذى يسطع ويعلو نحو السماء ثم يعودان إلى ظهرى مرة أخرى، ويتم كل هذا فى لحظة واحدة، كما أننى أسمع فى الأماكن التى أجلس فيها هاتفا يقول: السلام عليك أيها المستودع فى ظهره نور محمد
(١) جرى هذا الحوار أثناء قيام عبد المطلب بحفر بئر زمزم، وتفصيل هذه الواقعة مدون فى الصورة الخامسة من الوجهة الأولى أى فى قصة زمزم.