ألا تعلم أن نبيا بارا تقيا ملهما من قبل الله قد ظهر مساء الأثنين وليلة الثلاثاء- وهو صاحب الجمل المقطوع الأذنين-ففزع عباس بن مرداس فزعا شديدا ومضى إلى صنم قبيلة ضمار فأخبره ما سمع من كلام هذا الرجل وبينما كان يتحدث إليه خرج من بطن الصنم صوت عجيب يلقى هذه الأبيات:
قل للقبائل من سليم كلها ... هلك الضمار وفاز أهل المسجد
هلك الضمار وكان يعبد قبل أن ... نزل الكتاب على النبى محمد
إن الذى ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهند
يقول عباس بن مرداس (١) حطمت «الضمار» ألف قطعة إذ سمعت فيه هذا الكلام ثم مضيت إلى المدينة المنورة ومعى ثلاثمائة من قبيلتنا ونلنا شرف المثول بين يدى الرسول-صلى الله عليه وسلم-وبناء على أمره-صلى الله عليه وسلم-قصصت ما حدث وأسلمنا كلنا فى حينه رضى الله عنهم.
إن هذه الواقعة مروية من قبل «عبد الرحمن بن أنس السلمى» وليس الضمار هذا الصنم الذى حطمه حضرة عمر بن الخطاب الفاروق بل هو صنم آخر يحمل نفس الاسم.
وعند ما اقترب ظهور النبى-صلى الله عليه وسلم-سمع عن كثير من الأصنام مثل هذا الكلام الموثوق من صحته والتى أخبرت بظهور النبى-صلى الله عليه وسلم.
وبما أن أكثر ما سمع من أصنام مكة قبل البعثة كان الإخبار بما سيحدث والتنبؤ بالغيب وكان عبدة الأوثان يلاحظون أن ما يخبرهم به أصنامهم صحيح والأحاديث التى يخاطب بها الناس تطابق الواقعة لذلك زاد تقديسهم لهذه الأصنام والتمسك بها واعتمادهم عليها وتأكد إيمانهم بها فأقبلوا بإخلاص على عبادة هذه الأصنام.
والأصنام الخمسة التى مر ذكرها والتى وضعت فيما بعد فى مكة والتى حصل عليها عمرو بن لحى بن قمعة وحملها إلى مكة المكرمة وأخذ يتعبد لها ويحمل
(١) عباس بن مرداس السلمى من الأصحاب الكرام وشجعان العرب وهو شاعر منقطع النظير. انظر: الإصابة ٣١/ ٤ ترجمة ٤٥٠٢.