قد نصب «حصين بن نمير» وفق الأوامر التى تلقاها من مسلم-الذى يناقض حقيقته اسمه-فى شهر المحرم من السنة المذكورة مجانيق فوق جبل أبى قبيس وجبل أحمر، وحاصر مكة أربعين يوما وقتل كثيرا من المسلمين وعذب أهل مكة، وضيق عليهم الخناق.
وفى هذه الفترة وصل خبر هلاك يزيد-الظاهر الشناعة-فاضطر حصين للعودة. دامت هذه الحرب والمحاصرة من اليوم الثالث والعشرين من شهر محرم إلى قرب غرة ربيع الآخر، واحترقت أستار الكعبة وسقفها وانشقت جدرانها وتحطمت من جراء النار التى سرت من الحجارة المحرقة التى انهالت عليها، كما احترق قرنا الكبش الذى أنزله الله من السماء لفداء إسماعيل، واللذان كانا معلقين على سطح الكعبة.
وقعت فاجعة احتراق الكعبة فى يوم السبت الثالث من ربيع الأول، إلا أن حصين بن نمير قد استمر فى الحرب إلى أن بلغه خبر وفاة يزيد. وقد عرف خبر وفاته بعد احتراق الكعبة بسبعة وعشرين يوما. فترك مكة المكرمة فى ليلة الأحد اليوم الخامس من ربيع الآخر وقفل راجعا.
يروى أن هذا الحريق الهائل بدأ من احتراق خيمة، والمؤرخون الذين قبلوا هذه الرواية وضحوا الحادث بهذه الصورة: إن الشجعان الذين انضموا إلى عبد الله بن الزبير لجأوا إلى المسجد الحرام مأمن الإسلام، واحتموا بساحته ونصبوا خيامهم على جوانبه الأربعة، وكانت غايتهم من ذلك أن يحتموا بها كلما زادت حرارة الشمس وكلما ألقيت الحجارة من المجانيق.
وقد نصب حصين بن نمير المجانيق فوق جبل أبى قبيس وكذلك الجبل الأحمر، وكانت الحجارة الملفوقة بخرق مبللة بالزيت والملقاه على الكعبة لا تنقطع عن الانهمار.
قد دوام الشوام على إلقاء الأحجار إلى حد أن الأحجار التى أصابت البيت