خفيفة وجاء من الجبال المتسلسلة التى تحيط بمكة وكان المطر قد انقطع تماما فى أثناء ظهور السيل.
وإن لاح فى بدء ظهوره سيلا خفيفا إلا أنه أخذ يتزايد بالتدريج، وتدفق تدفقا مرعبا ودام مدة طويلة حتى دخل المسجد الحرام، وجاوز ارتفاع المياه العتبة العليا لباب الكعبة السعيدة بذراع واحد، ودامت الحالة هكذا مدة أربع وعشرين ساعة، وأخذ جريان المياه يقل شيئا فشيئا حتى انقطعت المياه ووجد فى ساحة الحرم الشريف ما يقرب من خمس وعشرين جثة.
وكان فى ناحية المعلى شجرة جوز تحتها مقاهى متعددة، وعندما بدأ السيل وظهرت المياه تسلقها ما يقرب من مائة وخمسين نفرا من رواد المقاهى خائفين على أرواحهم من هول المنظر.
وحينما اكتسب جريان السيل شدة كان فى ظل الشجرة بضعة مقاهى؛ ولكن السيل المرعب قد اقتلع الدوحة العظيمة من جذورها وجرفها إلى أمام باب الصفا، والمساكين الذين لجأوا لأغصانها حماية لأرواحهم كان مصيرهم الغرق.
كما هلك غير هؤلاء كل هؤلاء الذين تصادف وجود حوانيتهم ومنازلهم على حافة جريان السيل، إذ انهدم ما يقرب من مائة وخمسين من تلك المنازل والحوانيت وفى داخلها أصحابها ولا يحصى عددهم إلا الله.
وقد امتلأت البركة اليمانية الكائنة فى الجهة الجنوبية لمكة المعظمة المقدسة بجثث الدواب النافقة وقد ثبت نفوق خمسة آلاف من الحيوانات التى تصادف وجودها فى طريق السيل.
وبعد انقطاع السيل المفزع فتح طريق يسمح بالطواف حول البيت وذلك بهمة والى مكة المكرمة وشهامته، واستعين بهذا الطريق لتنظيف جميع أرجاء الحرم الشريف وتطهيرها؛ إلا أن النظافة لم تصل إلى الحد المطلوب كما أن مجارى