وسترها بكسوة المحمل المذهبة، ونهض من مدينة مكة المكرمة وأمامه الكثير من جنود المسلمين، وفى اليوم الذى تحركت فيه قافلة الشام خرج وجهاء القوم فى مكة وعلماءها وسادتها كلهم وأهلها ومجاوروها قاطبة ليكونوا فى توديع الميزاب القديم، وساروا مع القافلة المذكورة، فارتفعت الروح المعنوية فى داخل المدينة وسادتها حالة عجيبة، حتى قال مؤلف «لطائف الأخبار»(١) الشيخ محمد بن إسحاق الذى جاء فى تلك السنة مع المحمل المصرى لأداء فريضة الحج «لا قدرة لى على وصف وتصوير ما شاهدته فى ذلك اليوم».
وأخرج السلطان مراد خان ذلك الميزاب الذهبى من مكانه فى سنة (١٠٤٣).
وزخرفه بالذهب وأعاده إلى مكانه ولما كان والد السلطان كثير المحامد السلطان عبد المجيد خان قد جدده بالذهب أيضا فى سنة (١٢٧٣)؛ ظل يطلق على ميزاب الرحمة إلى الآن «الميزاب الذهبى».
وبناء على بيان المؤرخين ورواياتهم فإن الذهب الذى أرسله وليد بن عبد الملك إلى خالد بن عبد الله لميزاب الرحمة قد أذيب من الأوانى الذهبية التى اغتنمت فى معركة «طليطلة» وهذه الأوانى هى المنضدة التى تنسب إلى سليمان عليه السلام يعنى المائدة السليمانية، ويقول المؤرخون إن هذه المنضدة كانت مصنوعة من أنواع اليواقيت والزبرجد وكانت مرصعة وفى غاية الجمال.
وعلى رواية أنها من صنع سليمان بن داود - عليهما السلام -، وقد حفظت فى خزينة المسجد الأقصى وعرضت هناك، ثم نقلت إلى خزائن ملوك بنى إسرائيل وعندما فتح بخت نصر القدس اغتنمت من قبل الملوك المتحالفين معه، لأن الأشرار من بنى إسرائيل تجرأوا على قتل زكريا ويحيى «عليهما السلام» فعاقبهم الله - سبحانه وتعالى - بأن سلط عليهم بخت نصر الذى تحالف مع الملوك المجاورين، وساق كتائبه وجحافله إلى بلاد بنى إسرائيل فخرب القدس الشريف، ونهب وقتل سكانه، وبما أن الملوك المتحالفين كانوا معه فوزع ما اغتنم من الأموال على الكل.