قائلين إن الذى بنى السور القديم هو معز الدولة، وجدده فى سنة أربعمائة وخمسين صاحب رباط عجم جمال الدين الأصفهانى، وإن تمسك المؤرخون بادعائهم هذا إلا أن الرواة الذين نقلوا خبر ابن بويه من الأشخاص الذين يوثق فى أقوالهم وهذا يقتضى ترجيح هذه الرواية على الروايات الأخرى.
والمؤرخون الذين رأوا آثار خرائب السور القديم الذى بناه عضد الدولة ذهبوا إلى أن هذا السور يمتد من جبل سلع إلى وادى بطحان يحتوى فى داخله ما نسميه فى زماننا «بمسجد النبى» والذى كان مصلى العيد المصطفوى، ومبانيه وما حوله من جميع البيوت وبهذا ادعوا أن السور القديم كان سورا عظيما.
وبعد أن جدد المرحوم جمال الدين سور المدينة وأنقذ الأهالى من أن يداسوا تحت سنابك خيول العربان وخلصهم من شرورهم، أخذ سكان مدينة الرسول يزيدون يوما بعد يوم وبناء على هذا أصبح لازما بناء البيوت خارج السور وامتلك فقراء الناس قطعان من الأرض فى خارج السور وأخذ كل واحد منهم يبنى بيتا على قدر طاقته، إلا أن أشقياء العربان الخبثاء أخذوا يزعجون فقراء السكان فى خارج السور كلما وجدوا فرصة نتيجة لما جبلوا عليه من الخسة إلى أن ورد إلى المدينة الشهيد «نور الدين» وقد ذهب الشهيد نور الدين بغتة إلى المدينة الزاخرة بالرحمة بناء على رؤيا رآها-كما ذكر فى الوجهة التاسعة والصورة الأولى- وانتهز أصحاب البيوت التى فى خارج السور الفرصة وقدموا طلبا يفيد لجملة ما يأتى: يا أيها الملك! لم تبق لنا طاقة لتحمل غارات أشقياء العربان، إذ يغيرون علينا من حين لآخر ويستولون على حيواناتنا ويأسرون أولادنا وعيالنا، نرجو أن تنقذنا من شرور هؤلاء بأن تصدروا أمركم ببناء سور يحيط بمنازلنا، وما كان من الملك إلا أن أسعف رجاء الأهالى وأمر بهدم السور القديم الذى آل للسقوط والخراب وأسس سورا جديدا يحيط بالمنازل والمحال التى بنيت فيما بعد وما زال هذا السور مشهورا إلى يومنا هذا، وهكذا أنقذ أصحاب المحلات الجديدة والبيوت من تسلط عربان الصحراء وإضرارهم وذلك فى سنة «٥٥٨».