للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سقاك بها المأمون (١) كأساً رَوِيَّةٍ * وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَأْمُونٌ وَاللَّهِ " ثُمَّ أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ كُلَّهَا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا وَهِيَ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ: بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ * مُتَيَّمٌ عِنْدَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الرَّمْزِ لِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِنْشَادُ ابْنِ إِسْحَاقَ وَالْبَيْهَقِيِّ (٢) رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبِرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ أَنَّ كَعْبًا لَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ * مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ نبئتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي * وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ قَالَ: فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَنْ مَعَهُ أَنِ اسْمَعُوا.

وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ (٣) قَبْلَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

قُلْتُ: وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ بُرْدَتَهُ حِينَ أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الصَّرْصَرِيُّ فِي بَعْضِ مَدَائِحِهِ وَهَكَذَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْأَثِيرِ فِي الْغَابَةِ قَالَ وَهِيَ الْبُرْدَةُ الَّتِي عِنْدَ الْخُلَفَاءِ.

قُلْتُ: وَهَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ جِدًّا وَلَكِنْ لَمْ أَرَ ذلك في شئ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ بِإِسْنَادٍ أَرْتَضِيهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رُوي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَمَّا قَالَ: بَانَتْ سُعَادُ وَمَنْ سُعَادُ؟ قَالَ زَوْجَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ لَمْ تَبِنْ وَلَكِنْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ تَوَهَّمَ أَنَّ بِإِسْلَامِهِ تَبِينُ امْرَأَتُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ البينوتة الْحِسِّيَّةَ لَا الْحُكْمِيَّةَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ فَلَمَّا قَالَ كَعْبٌ - يَعْنِي فِي قَصِيدَتِهِ - إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ وَإِنَّمَا يُرِيدُنَا مَعْشَرَ الأنصار، لما كان صاحبنا صنع به [ما صنع] (٤) وَخَصَّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ بِمِدْحَتِهِ غَضِبَتْ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ يَمْدَحُ الْأَنْصَارَ، ويذكر بلاءهم من رسول صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْضِعَهُمْ مِنَ الْيُمْنِ:


(١) في دلائل البيهقي: أبو بكر.
وميمون الثانية في البيهقي: المأمور.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مأمور والله.
(٢) الخبر في دلائل النبوة باب ما جاء في قدوم كعب بن زهير على النبي صلى الله عليه وسلم ج ٥ / ٢٠٧ وما بعدها.
(٣) نقل البيهقي في الدلائل ما ذكره ابن عقبة، فذكر البيت الاول أما الثاني ففيه قوله: في فتية من قريش..الخ.. (٤) من ابن هشام.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>