للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شرب من هذا النهر فَلَا يَصْحَبُنِي فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَلَا يَصْحَبُنِي إِلَّا مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ إِلَّا غُرْفَةً (١) فِي يَدِهِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) .

قَالَ السُّدِّيُّ كَانَ الْجَيْشُ ثَمَانِينَ أَلْفًا فَشَرِبَ منه ستة وسبعون ألفاً فبقي معه أَرْبَعَةُ آلَافٍ كَذَا قَالَ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ وَزُهَيْرٍ وَالثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ محمَّد صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ بَدْرٍ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ ولم يجاوز معه إلا بضعة عشر وثلثمائة مُؤْمِنٍ (٢) .

وَقَوْلُ السُّدِّيِّ أَنَّ عِدَّةَ الْجَيْشِ كَانُوا ثَمَانِينَ أَلْفًا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أَرْضَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا تَحْتَمِلُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا جَيْشُ مُقَاتِلَةٍ يَبْلُغُونَ ثَمَانِينَ أَلْفًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) [البقرة: ٢٤٩] أَيِ اسْتَقَلُّوا أَنْفُسَهُمْ وَاسْتَضْعَفُوهَا عَنْ مُقَاوَمَةِ

أَعْدَائِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِ عدوهم: (قَالَ الَّذِينَ يظنون أنهم ملاقوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: ٢٤٩] يعني بها الفرسان مِنْهُمْ.

وَالْفُرْسَانُ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْإِيقَانِ الصَّابِرُونَ عَلَى الْجِلَادِ وَالْجِدَالِ وَالطِّعَانِ.

(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة: ٢٥٠] طَلَبُوا مِنَ اللَّهِ إِنْ يُفْرِغَ عَلَيْهِمُ الصَّبْرَ أَيْ يَغْمُرَهُمْ بِهِ مِنْ فَوْقِهِمْ فَتَسْتَقِرَّ قُلُوبُهُمْ وَلَا تَقْلَقَ وَأَنْ يُثَبِّتَ أَقْدَامَهُمْ فِي مَجَالِ الْحَرْبِ وَمُعْتَرَكِ الْأَبْطَالِ وَحَوْمَةِ الْوَغَى وَالدُّعَاءِ إِلَى النِّزَالِ فَسَأَلُوا التَّثَبُّتَ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ وَأَنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِمُ النَّصْرَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَائِهِ مِنَ الْكَافِرِينَ الْجَاحِدِينَ بِآيَاتِهِ وَآلَائِهِ فَأَجَابَهُمُ الْعَظِيمُ الْقَدِيرُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ إِلَى مَا سَأَلُوا وَأَنَالَهُمْ مَا إِلَيْهِ فِيهِ رَغِبُوا وَلِهَذَا قَالَ: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ) أَيْ بِحَوْلِ اللَّهِ لَا بِحَوْلِهِمْ وَبِقُوَّةِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ لَا بِقُوَّتِهِمْ وَعَدَدِهِمْ مَعَ كَثْرَةِ أَعْدَائِهِمْ وَكَمَالِ عَدَدِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران: ١٣٣] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ) [البقرة: ٢٥١] فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى شَجَاعَةِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنَّهُ قَتَلَهُ قَتْلًا أَذَلَّ (٣) بِهِ جنده وكسره وَلَا أَعْظَمَ مِنْ غَزْوَةٍ يَقْتُلُ فِيهَا مَلِكٌ عَدُوَّهُ فَيَغْنَمُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ وَيَأْسِرُ الْأَبْطَالَ وَالشُّجْعَانَ وَالْأَقْرَانَ وَتَعْلُو كَلِمَةُ الْإِيمَانِ عَلَى الْأَوْثَانِ وَيُدَالُ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ عَلَى أَعْدَائِهِ.

وَيَظْهَرُ


(١) بين أن الغرفة كافة ضرر العطش عند الحزمة الصابرين على شظف العيش الذين همهم في غير الرفاهية ; والمغترف بيده غرفة: الآخذ منها قدر الحاجة وقال بعض المفسرين الغرفة بالكف الواحد، والغرفة: بالكفين.
(٢) قال الطبري ١ / ٢٤٣: عبر معه منهم أربعة آلاف ورجع ستة وسبعون ألفاً ولما نظروا إلى جالوت رجع عنه أيضا ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون وخلص في ثلثمائة وتسعة عشر عدة أهل بدر - وفي رواية وثلاثة عشر - وما جاز معه إلا مؤمن.
(٣) قال القرطبي: كان داود رجلا قصيرا مسقاما مصفارا أصغر أزرق، وكان جالوت من أشد الناس وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>