للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السِّيَاقِ أَنَّهُ كَانَ أَجْمَلَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ) فَلَهُ الْحُكْمُ وَلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) .

(وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة: ٢٤٨] وَهَذَا أَيْضًا مِنْ بَرَكَةِ وِلَايَةِ هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ عَلَيْهِمْ وَيُمْنِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمُ التَّابُوتَ الَّذِي كَانَ سُلِبَ مِنْهُمْ وَقَهْرَهُمُ الْأَعْدَاءُ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانُوا يُنْصَرُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ بِسَبَبِهِ (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) قيل طشت مِنْ ذَهَبٍ كَانَ يُغْسَلُ فِيهِ صُدُورُ الْأَنْبِيَاءِ.

وَقِيلَ السِّكِّينَةُ مِثْلُ الرِّيحِ الْخَجُوجِ، وَقِيلَ صُورَتُهَا مِثْلُ الْهِرَّةِ إِذَا صَرَخَتْ فِي حَالِ الْحَرْبِ أَيْقَنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالنَّصْرِ (١) (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ) قيل كان فيه رضاض (٢) الالواح وشئ من المن الذي كان نزل عليهم بالتيه (تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ) أَيْ تَأْتِيكُمْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ يَحْمِلُونَهُ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ ذَلِكَ عِيَانًا لِيَكُونَ آيَةً لِلَّهِ عَلَيْكُمْ وَحُجَّةً بَاهِرَةً عَلَى صِدْقِ مَا أَقُولُهُ لَكُمْ وَعَلَى صِحَّةِ وِلَايَةِ هَذَا الْمَلِكِ الصَّالِحِ عَلَيْكُمْ وَلِهَذَا قَالَ: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وَقِيلَ إِنَّهُ لَمَّا غَلَبَ الْعَمَالِقَةُ عَلَى هَذَا التَّابُوتِ وَكَانَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنَ السِّكِّينَةِ وَالْبَقِيَّةِ الْمُبَارَكَةِ.

وَقِيلَ كَانَ فِيهِ التَّوْرَاةُ أَيْضًا فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي أَيْدِيهِمْ وَضَعُوهُ تَحْتَ صَنَمٍ لَهُمْ بِأَرْضِهِمْ فَلَمَّا أَصْبَحُوا إِذَا التَّابُوتُ عَلَى رَأْسِ الصَّنَمِ فَوَضَعُوهُ تَحْتَهُ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي إِذَا التَّابُوتُ فَوْقَ الصَّنَمِ فَلَمَّا تَكَرَّرَ هَذَا عَلِمُوا أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بَلَدِهِمْ وَجَعَلُوهُ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ فَأَخَذَهُمْ دَاءٌ فِي رِقَابِهِمْ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمْ هَذَا جَعَلُوهُ فِي عَجَلَةٍ وَرَبَطُوهَا فِي بَقَرَتَيْنِ وَأَرْسَلُوهُمَا فَيُقَالُ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ سَاقَتْهُمَا حتى جاؤوا بِهِمَا مَلَأَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ كَمَا أَخْبَرَهُمْ نَبِيُّهُمْ بِذَلِكَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ

عَلَى أَيِّ صِفَةٍ جَاءَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كانت تحمله بأنفسهم كما هو المفهوم بالجنود مِنَ الْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) [البقرة: ٢٤٩] .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: هَذَا النَّهْرُ هُوَ نَهْرُ الْأُرْدُنِّ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالشَّرِيعَةِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِ طَالُوتَ بِجُنُودِهِ عِنْدَ هَذَا النَّهْرِ عَنْ أَمْرِ نَبِيِّ اللَّهِ لَهُ عَنْ أمر الله له اختباراً وامتحاناً أن


(١) قال القرطبي: ٣ / ٢٤٩: قال ابن عطية: والصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الانبياء وآثارهم، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى.
(٢) رضاض الشئ فتاته.
وفي بقية: أقوال: - قال ابن عباس: عصا موسى وعصا هارون ورضاض الالواح.
- قال الثوري: قفيز من في طست من ذهب وعصا موسى وعمامة هارون.
- الضحاك: البقية: الجهاد وقتال الاعداء.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>