للعلم، أو قال: وعاء العلم، وعند سلمان علم لا يدرك، وما أظلت خضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبى ذر.
قال أبو عمر رضى الله تعالى عنه: فضل رسول الله ﵌ جماعة من أصحابه بفضائل خص كل واحد منهم بفضيلة وسمه بها، وذكره فيها، ولم يأت عنه ﵇ أنه فضل منهم واحدا على صاحبه بعينه من وجه يصح، ولكنه ذكر من فضائلهم ما يستدل به على مواضعهم ومنازلهم من الفضل والدين والعلم، وكان ﵌ أحلم وأكرم معاشرة، وأعلم بمحاسن الأخلاق من أن يواجه فاضلا منهم بأن غيره أفضل منه، فيجد من ذلك في نفسه؛ بل فضل السابقين منهم وأهل الاختصاص به على من لم ينل منازلهم فقال لهم: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
وهذا من معنى قول الله تعالى (١): «لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وقاتَلَ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقاتَلُوا وكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى». ومحال أن يستوي من قاتله رسول الله ﵌ مع من قاتل عنه.
وقال رسول الله ﵌ لبعض من لم يشهد بدرا - وقد رآه يمشى بين يدي أبى بكر -: تمشى بين يدي من هو خير منك؟ وهذا لأنه قد كان أعلمنا ذلك في الجملة لمن شهد بدرا والحديبية. ولكل طبقة منهم منزلة معروفة وحال موصوفة، وسنذكر في باب كل واحد منهم ما بلغنا من ذلك إن شاء الله تعالى.