للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه. ويستوحش (١) من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غزير العبرة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن. وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه. ونحن والله - مع تقريبه إيانا وقربه منا - لا نكاد نكلمه هيبة له. يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييئس الضعيف من عدله. وأشهد [أنه (٢)] لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله (٣)، وغارت نجومه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غري غيري، ألي تعرضت أم إلى تشوفت! هيهات هيهات! قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك قليل. آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق. فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان (٤) والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها (٥) وهو في حجرها.

وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبى طالب عن ذلك، فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبى طالب. فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام. فقال له: دعني عنك.

وروى أبو سعيد الخدري وغيره، عن النبي أنه قال:

تمرق مارقة في حين اختلاف من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق.

وقال


(١) في س، والأمالي: يستوحش.
(٢) ليس في س.
(٣) في ى: سدلته.
(٤) في الأمالي: فلقد كان كذلك.
(٥) في س، والأمالي: واحدها في حجرها.