والله ما يأتينا من الناس إلا رجلان: رجل يطلب فقها، ورجل يطلب فضلا، فأى هذين تمنع؟ وكان بالحضرة أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني، فجعل يقول:
لا در در الليالي كيف تضحكنا … منهما خطوب أعاجيب وتبكينا
ومثل ما تحدث الأيام من عبر … في ابن الزبير عن الدنيا تسلينا
كنا نجيء ابن عباس فيسمعنا … فقها ونكسبنا أجرا ويهدينا
ولا يزال عبيد الله مترعة … جفانه مطعما ضيفا ومسكينا
فالبر والدين والدنيا بدارهما … ننال منها الذي نبغى إذا شينا
إن النبي هو النور الذي كشطت … به عمايات ماضينا وباقينا
ورهطه عصمة في دينه لهم … فضل علينا وحق واجب فينا
ففيم تمنعنا منهم وتمنعهم … منا وتؤذيهم فينا وتؤدينا
ولست بأولاهم به رحما … يا بن الزبير ولا أولى به دينا
لن يؤتي الله إنسانا ببغضهم … في الدين عزا ولا في الأرض تمكينا
وكان ابن عباس ﵄ قد عمى في آخر عمره.
وروى عنه: أنه رأى رجلا مع النبي ﷺ فلم يعرفه، فسأل النبي ﷺ عنه، فقال له رسول الله ﷺ: أرأيته؟ قال: نعم. قال: ذلك جبرئيل، أما إنك ستفقد بصرك، فعمى بعد ذلك في آخر عمره. وهو القائل في ذلك فيما روي عنه من وجوه:
إن يأخذ الله من عيني نورهما … ففي لساني وقلبي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل … وفي فمي صارم كالسيف مأثور