يكرمه، ويراه يقضي حوائج غيره، فيسيء ظنه بربه، وهذا حشو قلبه ولا يشعر به، والمعصوم من عصمه الله، والإنسان على نفسه بصيرة، وعلامة هذا حمله على الأقدار، وعتابه الباطن لها، كما قيل:
القسم الثالث: من له نوع عبادة بلا استعانة، وهؤلاء نوعان:
أحدهما: القدرية القائلون بأنه قد فعل بالعبد جميع مقدوره من الألطاف، وأنه لم يبق في مقدوره إعانة له على الفعل؛ فإنه قد أعانه بخلق الآلات وسلامتها، وتعريف الطريق، وإرسال الرسل، وتمكينه من الفعل، فلم يبق بعد هذا إعانة مقدورة يسأله إياها، بل قد ساوى بين أوليائه وأعدائه في الإعانة، فأعان هؤلاء كما أعان هؤلاء، ولكن أولياءه اختاروا لنفوسهم الإيمان، وأعداءه اختاروا لنفوسهم الكفر، من غير أن يكون الله سُبْحَانَهُ وفق هؤلاء بتوفيق زائد أوجب لهم الإيمان، وخذل هؤلاء بأمر آخر أوجب لهم الكفر، فهؤلاء لهم نصيب منقوص من العبادة، لا استعانة معه، فهم موكولون إلى أنفسهم، مسدود عليهم طريق الاستعانة والتوحيد، قال ابن عباس ﵁: الإيمان بالقدر نظام التوحيد، فمن آمن بالله وكذب بقدره نقض تكذيبُه توحيدَه.
النوع الثاني: من لهم عبادات وأوراد، ولكن حظهم ناقص من التوكل والاستعانة، لم تتسع قلوبهم لارتباط الأسباب بالقدر، وتلاشيها في ضمنه، وقيامها به، وأنها بدون القدر كالموات الذي لا تأثير له، بل كالعدم الذي لا وجود له، وأن القدر كالروح المحرك لها، والمعول على المحرك الأول.