للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى ذلك فإن هذا العبد لا يليق به أن يستحي من الناس الذين لا يملكون له ضرًّا ولا نفعًا، لا في الدنيا ولا في الآخرة، ثم لا يستحي من الله الرقيب عليه، المتفضل عليه، الذي ليس له غناء عنه.

أما الذي يجاهر بالمعاصي، ولا يستحي من الله، ولا من الناس؛ فهذا من شر ما مُنِيَتْ به الفضيلة، وانتُهكت به العفة؛ لأن المعاصي داء سريع الانتقال، لا يلبث أن يسري في النفوس الضعيفة، فيعم شر معصية المجاهر ويتفاقم خطبها، فشره على نفسه وعلى الناس عظيم، وخطره على الفضائل كبير.

[٤ - الحياء من النفس]

وهو حياء النفوس العزيزة من أن ترضى لنفسها بالنقص أو تقنع بالدون.

ويكون هذا الحياء بالعفة، وصيانة الخلوات، وحسن السريرة، فيجد العبد المؤمن نفسه تستحي من نفسه، حتى كأنَّ له نَفْسَينِ تستحي إحداهما من الأخرى، وهذا أكمل ما يكون من الحياء؛ فإن العبد إذا استحى من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدرُ.

فكما أن هناك نفسًا أمارة بالسوء تأمر صاحبها بالقبائح، قال تَعَالَى على لسان امرأة العزيز: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٣]، فهناك النفس الأخرى الأمارة بالخير، الناهية عن القبائح وهي النفس المطمئنة، قال تَعَالَى: ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر: ٢٧ - ٣٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>