للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأثر الخامس: محبة الله جل في علاه]

فُطرت القلوب على محبة من له صفات الكمال والإحسان والتفضل على الغير، والله لا أكمل ولا أعظم ولا أجل من صفات ألوهيته ، ولا أعظم نعمة وفضلًا على العباد منه، فمن كان هذا حاله فهو أحق من يحب، محبة عظيمة تتقدم على محبة النفس، والأهل، والولد، والناس أجمعين، قال رسول الله في هذه المحبة: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» (١).

قال ابن القيم : «إن (الإله) الحق هو الذي يُحَبُّ لذاته، ويُحْمَدُ لذاته، فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه، وإنعامه، وحلمه، وعفوه، وبره، ورحمته، فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله، فيحبه ويحمده لذاته وكماله، وأن يعلم أنه لا محسن على الحقيقة بأصناف النعم الظاهرة والباطنة إلا هو، فيحبه لإحسانه وإنعامه، ويحمده على ذلك فيحبه من الوجهين جميعًا» (٢).

قال الشيخ السعدي : «وعباد الرحمن يألهونه ويعبدونه، ويبذلون له مقدورهم بالتأله القلبي، والروحي، والقولي والفعلي، بحسب مقاماتهم ومراتبهم، فيعرفون من نعوته وأوصافه ما تتسع قواهم لمعرفته، ويحبونه من كل قلوبهم محبةً تتضاءل جميع المحاب لها، فلا يعارض هذه المحبة في قلوبهم محبة الأولاد والوالدين وجميع محبوبات النفوس، بل خواصهم


(١) أخرجه البخاري واللفظ له، رقم الحديث: (١٦)، ومسلم، رقم الحديث: (٤٣).
(٢) الفوائد، لابن القيم (ص: ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>