إذ تدبير أموره وأمور كل الخلق راجع إليه، ونظر فرأى كمال لطف العلي سُبْحَانَهُ ورحمته وحكمته في هذا التدبير، ورأى كمال قدرته وقوته، ورأى كمال عظمته وجلاله سُبْحَانَهُ، أورثه ذلك- مع الخضوع والإخبات لربه- محبة تنقدح في نفسه، وتنمو في روحه، وتزداد بازدياد معرفته بخالقه سُبْحَانَهُ؛ وذلك لأن العبد مجبول على حب من حظه من الصفات أعلاها وأتمها.
الأثر الخامس: من آمن بالأعلى سُبْحَانَهُ تواضَع:
فإن الإيمان بعلوه سُبْحَانَهُ وقهره لعباده، يورث في القلب تواضعًا وحياءً، وتعظيمًا لله تَعَالَى وأوامره ونواهيه، فإن أوتي العبد شيء من العلو في الدنيا فإنما هو علو نسبي، وبإعلاء الله له، فلا فضل له فيه ولا منة، يقول تَعَالَى: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٧٦]، كما علم أن الله الذي رفع منزلته وأعلى شأنه في الأرض قادر على أن يمحقه ويجعله من الأسفلين، يقول تَعَالَى: ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ [البقرة: ٢٥٣].
وعليه فيجب الحذر من العلو على الناس، واجتناب ظلم العباد والتكبر عليهم وقهرهم والعدوان عليهم، ولا ينجو من ذلك إلا من تذكر علو الله تَعَالَى وقهره، وأن العبد مهما علا وظلم وقهر فإن الله (العلي المتعال) فوقه يراه، وسيقتص للمظلومين ممن ظلمهم، وما من جبار علا في الأرض وتجبر إلا وقصمه الله تَعَالَى وأهلكه؛ ولذلك لما ذكر سُبْحَانَهُ علاج من يخاف نشوزها من الزوجات في سورة النساء ختم ذلك باسميه سُبْحَانَهُ (العلي)(الكبير)، قال تَعَالَى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي