للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير : «يخبر تَعَالَى عن حلمه ولطفه بعباده: أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم- والحالة هذه-لطفًا ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم وأولادهم بالخير والبركة والنماء؛ ولهذا قال: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ [يونس: ١١] أي: لو استجاب لهم كل ما دعوه به في ذلك، لأهلكهم، ولكن لا ينبغي الإكثار من ذلك، كما جاء في الحديث: حدثنا جابر قال: قال رسول الله : «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ» (١) (٢).

فما أعظم حلمه، وما أوسع فضله، وما أجزل عطاءه ومننه (٣).

[الأثر الثاني: دلالة اسم الله (الحليم) على التوحيد]

إذا علم العبد أن الله له الكمال التام في أسمائه وصفاته الذي لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه، ومن ذلك: اسمه الحليم: فحلم لا عن جهل، بل عن علم تام، وحلم لا عن حاجة، بل عن غنى تام، وحلم لا عن عجز، بل عن قدرة تامة، حلم مع عظمته وجلاله، حلم فأمهل، وحلم فستر، وحلم فأنعم، وسع حلمه كل شيء؛ تيقن أنه لا شبيه له ولا يماثله شيء من مخلوقاته


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٢٥١).
(٢) أخرجه مسلم، رقم الحديث: (٣٠١٤).
(٣) ينظر: الحق الواضح المبين، للسعدي (ص ٥٦ - ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>