الإيمان بالمقدم المؤخر سُبْحَانَهُ يجعلنا نؤمن بحكمته في تأخيره لعذاب من تجبر وتكبر، فيفسح لهم الزمان ويمد لهم في الأعمار حتى تنقطع حجتهم، فإن تابوا ورجعوا فهو الغفور الرحيم، وإن أصروا واستكبروا لم يُعجِزُوه، تأمل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم: ٤٢ - ٤٣]، فهو سُبْحَانَهُ يؤخِّر العقوبة لحكمة بالغة، ويُقَدِّمُ المكافأة لحكمة بالغة.
ومن الحكم في تأخير العقوبة:
رحمة من الله تَعَالَى بالظالم؛ حتى يتدارك خطأه فيتوب إليه ويندم على ما فعله، قال تَعَالَى:{فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة: ٣٩]، وقد أرسل الله نبيه موسى -عليه السلام- إلى فرعون وقد ظلم وزاد في ظلمه حتى طغى، فقال تَعَالَى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٣، ٤٤] فالآية الكريمة توضح إمكانية رجوع هذه الطاغية، بإرسال الرسل إليه لينصحوه.
استدراج من الله تَعَالَى، فإذا أراد الله بالظالم شرًّا استدرجه، ومدَّ له، ثم أخذه أخذ عزيز مقتدر، عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:«إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[هود: ١٠٢]»(١).