الأثر الثامن: نعمة البصيرة هي أعظم نعم البصير سُبْحَانَهُ:
إن أعظم نعمة ينعم بها البصير على عبده حين يرزقه نور البصيرة، وهناك فرق بين البصر والبصيرة: فالبصر يدرك ظواهر الأشياء، بينما البصيرة هي نور في القلب، وهي للقلوب كالضياء للبصر، يفرق به صاحبها بين الحق والباطل، لا تختلط عليه الأمور ولا تتشابه، يعرف الحق فيتبعه، ويعرف الباطل ويفر منه.
ويقول ابن القيم ﵀ في معنى البصيرة:«البصيرة هي نور في القلب يبصر به الوعد والوعيد والجنة والنار، وما أعد الله في هذه لأوليائه، وفي هذه لأعدائه، فأبصر الناس وقد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحق وقد نزلت ملائكة السموات فأحاطت بهم، وقد جاء الله وقد نصب كرسيه لفصل القضاء، وقد أشرقت الأرض بنوره، ووضع الكتاب، وجيء بالنبيين والشهداء، وقد نصب الميزان، وتطايرت الصحف، واجتمعت الخصوم، وتعلق كل غريم بغريمه، ولاح الحوض وأكوابه عن كثب، وكثر العطاش وقل الوارد، ونصب الجسر للعبور، وقسمت الأنوار دون ظلمته للعبور عليه، والنار يحطم بعضها بعضًا تحته، والمتساقطون فيها أضعاف أضعاف الناجين.
فالبصيرة نور يقذفه الله في القلب، يرى به حقيقة ما أخبرت به الرسل كأنه يشاهده رأى عين، فيتحقق مع ذلك انتفاعه بما دعت إليه الرسل وتضرره بمخالفتهم، وهذا معنى قول بعض العارفين: البصيرة تحقق الانتفاع بالشيء والتضرر به، وقال بعضهم: البصيرة ما خلصك من الحيرة إما بإيمان وإما بعيان» (١).