ومن تأمل في وحدانية الله بالحكم المشتمل على الحكمة؛ دله ذلك على نوع آخر من التوحيد، ألا وهو توحيد الألوهية، فعلم أن من بيده الحكم وإليه الأمر والشرع هو المستحق وحده أن يفرد بالعبادة؛ فإن كل من دونه محكوم عليه لا حاكم، ليس له من الأمر شيء، قال تَعَالَى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: ٤٠](١)، وقال: ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٨٨]، وقال: ﴿قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [سبأ: ٢٧].
ودله- أيضًا- على توحيد الأسماء والصفات، فعلم أن من له الحكم لا بد أن يكون سميعًا بصيرًا عليمًا خبيرًا متكلمًا قادرًا مدبرًا، إلى غير ذلك من أسماء وصفات كماله سُبْحَانَهُ، قال تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النحل: ٦٠]، وقال سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الروم: ٢٧]
[الأثر الثالث: التدبر في كتاب الله الحكيم]
القرآن كتاب الله المنزل من لدن حكيم خبير، قال تَعَالَى: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الزمر: ١]، وقال: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النمل: ٦]، فإذا كان من عند الحكيم الخبير تكلم به وأنزله حكمًا وهدى ورحمة ونورًا وموعظة وذكرى للعالمين، فلا ريب أن يكون في غاية الإحكام والاتقان، مشتملًا على الحكمة البالغة، والرحمة الواسعة،