للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرسول الله أبان دين الإسلام بما لا يدع- مع بيانه- خفاءً، وبما لا يجعل الناس يجدون لغير دين الله التجاءً، وجد واجتهد لتبليغ رسالة ربه، وتحمل في سبيل ذلك أشد المشقة، وأبلغ العناء، ومن دلائل ذلك قوله: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ» (١)، وكان هذا البيان المحمدي مثيرًا لاستعجاب المشركين واستنكارهم، ففي الصحيح عن سلمان قال: «قَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ عَلَّمَكُمْ صَاحِبُكُمْ حَتَّى يُوشِكَ أَنْ يُعَلِّمَكُمُ الْخِرَاءَةَ، قَالَ: أَجَلْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِأَيْمَانِنَا، أَوْ بِالْعَظْمِ، أَوْ بِالرَّجِيعِ، وَقَالَ: لَا يَكْتَفِي أَحَدُكُمْ دُونَ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» (٢).

بل إن البيان والوضوح كان من صفاته الشخصية، فقد كان الصحابة يعرفون في وجهه إن كان راضيًا مسرورًا، أو كارهًا غاضبًا، فلم يكن غامضًا، ولذا كانوا يتعلمون وينهلون من قوله وفعله وصمته وإقراره، بل حتى تبسُّمِه.

[الأثر الخامس: العناية ببيان العلم وفضله]

فإن كتمان العلم خلق مذموم مطلقًا، وهو من أخلاق المغضوب عليهم، يقول الله سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (٣٦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾


(١) أخرجه أحمد، رقم الحديث: (١٧٤١٦)، وابن ماجه، رقم الحديث: (٤٣)، حكم الألباني: صحيح، صحيح وضعيف سنن ابن ماجه، رقم الحديث: (٤٦٠٧).
(٢) صحيح ابن خزيمة، رقم الحديث: (٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>