للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول ابن القيم في التفريق بين النعمة والفتنة: «وأما تمييز النعمة من الفتنة: فليفرق بين النعمة التي يرى بها الإحسان واللطف، ويعان بها على تحصيل سعادته الأبدية، وبين النعمة التي يرى بها الاستدراج، فكم من مستدرَج بالنعم وهو لا يشعر، مفتون بثناء الجهال عليه، مغرور بقضاء الله حوائجه وستره عليه! وأكثر الخلق عندهم أن هذه الثلاثة علامة السعادة والنجاح، ذلك مبلغهم من العلم.

فإذا كملت هذه الثلاثة فيه عرف حينئذ أن ما كان من نعم الله عليه بجمعه على الله فهو نعمة حقيقة، وما فرقه عنه وأخذه منه فهو البلاء في صورة النعمة، والمحنة في صورة المنحة، فليحذر فإنما هو مستدرج، ويميز بذلك- أيضًا- بين المنة والحجة، فكم تلتبس إحداهما عليه بالأخرى!

فإن العبد بين منة من الله عليه، وحجة منه عليه، ولا ينفك عنهما، فالحكم الديني متضمن لمنته وحجته، قال الله تَعَالَى ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٤] وقال ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ [الحجرات: ١٧] وقال ﴿فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾ [الأنعام: ١٤٩]» (١).

[الأثر السابع: تذكر يوم الفتح الحقيقي والاستعداد له]

يوم القيامة هو يوم الفتح الحقيقي، فإن الله سُبْحَانَهُ في ذلك اليوم يقضي ويفصل بين جميع العباد، فيبين الضال من المهتدي، وهو سُبْحَانَهُ لا يحتاج إلى شهود ليفتح بين خلقه؛ لأنه لا تخفى عليه خافية، وما كان غائبًا عما حدث في الدنيا سُبْحَانَهُ، يقول تَعَالَى: ﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ﴾ [الأعراف: ٧]،


(١) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (١/ ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>