فلا يحتاج الله إلى العرش ولا حملته، ولا الكرسي وعظمته، ولا يحتاج إلى ميكائيل ليرزق الخلق، ولا إلى جبريل لتبليغ رسالته، بل كل هؤلاء وغيرهم من خلق الله يحتاجون إليه من كل الوجوه، وهو غني عنهم من كل الوجوه.
الرابع: غناه مطلق:
فإن الخلق يحتاجون إلى ما تقوم به أبدانهم وأرواحهم، وهذا يجعلهم فقراء إلى رزق الله من كل الوجوه؛ فإنهم فقراء إلى الطعام وإلى الشراب، والنفس والروح والسعادة والزوجة والولد، والسمع والبصر … هذا فقر مطلق إلى الله الذي بيده هذه النعم وغيرها مما لا غنى عنه للخلق، أما الله ﷻ فإنه غني عن ذلك كله، بل وعن كل ما سواه؛ لذلك فإن غنى الله غنًى مطلق، وكل العباد فقرهم إلى الله فقر مطلق.
إن الفقر إلى الله سُبْحَانَهُ هو عين الغنى به، فأفقر الناس إلى الله أغناهم به، وأذلهم له أعزهم به، وأضعفهم بين يديه أقواهم، وأجهلهم عند نفسه أعلمهم بالله، وأمقتهم لنفسه أقربهم إلى مرضاة الله، والغنى بالله مع الفقر إليه متلازمان متناسبان، فالغنى على الحقيقة لا يكون إلا بالله الغني بذاته عن كل ما سواه، وكل ما سواه فموسوم بسمة الفقر، كما هو موسوم بسمة الخلق والصنع (١).
يقول ابن القيم ﵀: «إن الله هو الغني المطلق، والخلق فقراء محتاجون إليه، قال سُبْحَانَهُ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: ١٥]، بين سُبْحَانَهُ في هذه الآية أن فقر العباد إليه أمر ذاتي لهم