إذا تأمل الإنسان في نفسه وحاجته للكفاية في وجوده، ودوام وجوده، وكمال وجوده، حاجته للكفاية جنينًا في بطن أمه، ومولدًا خارج بطن أمه، وطفلًا وغلامًا وشابًّا وشيبًا، بل وميتًا (١).
ثم نظر في اسم الله الحسيب، وعلم أن من معانيه الكافي الذي يكفي خلقه تحصيل المنافع بمختلف أنواعها، ودفع المضار بمختلف أنواعها ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٦]؛ قاده ذلك للتعلق به سُبْحَانَهُ والتوكل عليه في سائر شؤونه، ورفع حوائجه إليه دون غيره، والثقة به دون الركون للأسباب والاعتماد عليها.
ولا سيما إذا علم أن الله خص المتوكلين عليه بمزيد من الكفاية، كما قال سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: ٣].
قال ابن القيم ﵀: «والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، وهو من أقوى الأسباب في ذلك؛ فإن الله حسبه، أي: كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه، ولا يضره إلا أذًى لا بد منه كالحر والبرد والجوع والعطش … قال بعض السلف: جعل الله تَعَالَى لكل عمل جزاءً من جنسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته لعبده، فقال: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: ٣] ولم يقل: نُؤْتِهِ كذا وكذا من الأجر كما قال في الأعمال، بل جعل نفسه سُبْحَانَهُ كافي عبده