وقد نصب بعض رهبان النصارى وغلاة الصوفية أنفسهم شركاء لله ﷿، فزعموا أن لديهم صلاحية غفران الذنوب والتوبة على العباد، وهذا من إفكهم وضلالهم.
وكما أن اسم الله التواب دال على الربوبية والألوهية، فكذا هو دال على الأسماء والصفات؛ إذ يدل على اسم الله الغفور، والبَر، والشكور، والرحيم، والكريم، والحليم، إلى غير ذلك من أسمائه سُبْحَانَهُ وما فيها من صفات.
إن إقبال العبد على ربه بالتوبة هو محض توفيق، ومنة من الباري سُبْحَانَهُ؛
وفيه يذكر ابن القيم ﵀ أن توبة العبد إلى ربه محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها، وتوبة منه بعدها، فتوبته بين توبتين من الله: سابقة ولاحقة، فإنه تاب عليه أولًا إذنًا وتوفيقًا وإلهامًا، فتاب العبد فتاب الله عليه ثانيًا قبولًا وإثابة، قال تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: ١١٨]، فأخبر سُبْحَانَهُ أن توبته عليهم سبقت توبتهم، وأنها هي التي جعلتهم تائبين، فكانت سببًا ومقتضيًا لتوبتهم، فدل على أنهم ما تابوا حتى تاب الله عليهم، والحكم ينتفي لانتفاء علته، فالعبد تواب والله تواب، فتوبة العبد رجوعه إلى سيده بعد الإباق، وتوبة الله نوعان: إذن وتوفيق، وقبول وإمداد (١).