من آمن باسم ربه (الوراث) الذي يبقى بعد فناء الخلائق، والذي يرث كل شيء، فيرجع ويصير إليه ما في الأرض وما في السماء، فإن قلبه يتعلق به-سُبْحَانَهُ- محبة وتعظيما، سيما أن القلوب فطرت على محبة من له الكمال والعظمة والجلال.
[الأثر السادس: الزهد في الدنيا]
إذا تيقن العبد باسم ربه (الوارث) وما فيه من إرث كل شيء؛ علم أن الدنيا وما فيها من مآكل ومشارب لذيذة، ومساكن وقصور طيبة، وأشجار، وأنهار، وزروع، وثمار، ومناظر بهيجة، ورياض أنيقة، وأصوات شجية، وصور مليحة، وملابس فاخرة، وذهب وفضة، وخيل وإبل، وزوجات وأبناء ونحوها فانية مضمحلة، وزائلة منقضية، وستعود صعيدًا جرزًا قد ذهبت لذاتها، وانقطعت أنهارها، واندرست آثارها، وزال نعيمها، ذهبت عن أهلها، وذهبوا عنها، وبقي إرثها للوارث جل في علاه ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ [مريم: ٤٠].
مثلها «كمثل المطر، ينزل على الأرض، فيختلط نباتها، تنبت من كل زوج بهيج، فبينا زهرتها وزخرفها تسر الناظرين، وتفرح المتفرجين، وتأخذ بعيون الغافلين، إذ أصبحت هشيمًا تذروه الرياح، فذهب ذلك النبات الناضر، والزهر الزاهر، والمنظر البهي، فأصبحت الأرض غبراء ترابًا، قد انحرف عنها النظر، وصدف عنها البصر، وأوحشت القلب، كذلك هذه الدنيا، بينما صاحبها قد أعجب بشبابه، وفاق فيها على أقرانه وأترابه، وحصل درهمها