للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك: نفوس المؤمنين الذين تكالبت عليهم الأعداء، وتحزبت عليهم الأحزاب، وخذلهم القريب والبعيد، فإنهم إذا نظروا إلى ضعفهم وقلة حيلتهم وما أصابهم من جراح وقتل ومآسٍ، وبالمقابل قوة عدوهم وبطشه وغناه، ثم تذكروا أن ربهم قاهر قهار، لا يخرج ظالم مهما قوي عن قهره؛ عاد ذلك على نفوسهم بالاطمئنان والسكينة والأمل بنصر الله ﷿، قال تَعَالَى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: ٤٧].

[الأثر الرابع: محبة الله القاهر، القهار]

متى عرف العبد أن معبوده قاهر قهار، لا يُغلب ولا يقوم أمام قهره شيء، وأنه بعبادته له يأوي إلى ركن شديد، يدفع عنه ما يمكن أن يتسلط عليه؛ أثمر ذلك في قلبه محبةً وتعلقًا به جل في علاه.

[الأثر الخامس: التواضع والخضوع للقاهر القهار]

إذا تأمل العبد في اسم القاهر القهار، ثم نظر في نفسه وكيف أنه تحت قهره لا يد له في الخلق، ولا التدبير، ولا الرزق، يتمنى أن يولد له فلا يولد، وألا يمرض فيمرض، وأن يستغني فيفتقر، وأن يحيى أبدًا فيموت، كل ذلك بغلبة من الله وقهره؛ أورثه ذلك ذلًّا وخضوعًا للقهار، وتواضعًا لخلقه، فلا يغره ملكه وقوته ولا جاهه ونسبه، ولا يقدم على قهر مخلوق، لا سيما الضعيف منهم، قال تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ [الضحى: ٩]، قال القرطبي : «خص اليتيم؛ لأنه لا ناصر له غير الله تَعَالَى، فغلظ في أمره، بتغليظ العقوبة على ظالمه» (١).


(١) تفسير القرطبي (٢٠/ ١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>