للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعلمه، وحكمته، ورحمته، وبره، وإحسانه، وعدله؛ امتلأت القلوب بحبه ووده، خاصة أن النفوس تميل إلى حب صاحب الملك والملكوت والغنى.

[الأثر الخامس: التذلل والخضوع لله الملك المالك المليك]

التفكر في اسم الله (الملك- مالك الملك) وما فيه من عزة وجبروت وكبرياء، قال تَعَالَى: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: ٢٣] يجعل كل من ملك شيئًا في الدنيا صغر أو كبر يذل ويخر صاغرًا لجلال الملك -تبارك وتعالى-، فماذا عسى أن يملك من كان أمره وناصيته ونفسه بيد سيده، وقلبه بين إصبعين من أصابعه، يقلبه كيف يشاء، وحياته وموته، وسعادته وشقاؤه، وحركاته وسكناته بإذنه ومشيئته، إن وكله إلى نفسه، وكله إلى عجز وضعف وتفريط وذنب وخطيئة، وإن وكله إلى غيره وكله إلى من لا يملك له ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، وإن تخلى عنه استولى عليه عدوه وجعله أسيرًا له، فلا غنى له عنه طرفة عين (١).

ثم هذا الذل والصغار واستشعاره يثمر التواضع والخضوع بين يدي الله الملك -تبارك وتعالى-، كما هو الحال في هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد دخل مكة -صلى الله عليه وسلم- فاتحًا منتصرًا، ومع ذلك لم يصبه الكبر والغرور، وإنما طأطأ رأسه -صلى الله عليه وسلم- حتى كاد شعر لحيته أن يمس وسط الرحل تواضعًا للملك -جل جلاله- (٢)، وخُيِّر -صلى الله عليه وسلم- بين أن يكون نبيًّا ملِكًا أو أن يكون عبدًا نبيًّا،


(١) ينظر: الفوائد، لابن القيم (ص: ٥٦).
(٢) ينظر: سيرة ابن هشام (٢/ ٤٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>