للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأثر الثاني: دلالة اسمي الله (الحكم، الحكيم) على التوحيد]

إذا تأمل العبد في اسمي الله (الحكم، والحكيم) وما يتضمنهما من كمال الحكم الصادر عن ملك مطلق، وعلم تام، وخبرة كاملة، وحكمة عظيمة، وعدل لا جور معه، ورحمة بلغت أن كانت أرحم من الوالدة بولدها، بل صدرت ممن له الكمال المطلق الذي لا شيء يقربه ولا يماثله لا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] (١) فلا نقص في حكمه ولا عيب ولا خلل ولا إخلال، ولو فرضت العقول وقدرت أكمل ما يكون من الأحكام لكان حكمُه أجلَّ وأعظمَ.

إذا تأمل العبد ذلك كله؛ ساقه لتوحيد الحاكم الحكيم في الحكم، فانقاد لحكمه، كما قال تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور: ٥١]، وقال كما قال : «وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ» (٢) ولم يرض حاكمًا سواه، ولا حكمًا غير حكمه، قال سُبْحَانَهُ: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾ [الأنعام: ١١٤]، «أحاكم إليه، وأتقيد بأوامره ونواهيه؛ فإن غير الله محكوم عليه لا حاكم، وكل تدبير وحكم للمخلوق فإنه مشتمل على النقص، والعيب، والجور» (٣).

وقد قرر سُبْحَانَهُ أن الحكم كله له وحده لا شريك له، في مواضع عدة من كتابه بأساليب مختلفة، منها:


(١) ينظر: تفسير ابن كثير (٣/ ١٣١)، تفسير السعدي (ص ٧٥٤).
(٢) أخرجه البخاري، رقم الحديث: (١١٢٠)، ومسلم، رقم الحديث: (٧٦٩) عن ابن عباس .
(٣) تفسير السعدي (ص ٢٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>