للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأثر الخامس: التوكل على القابض الباسط]

إذا علم العبد أن الله وحده القابض الباسط، فلا باسط لما قبض ولا قابض لما بسط كما قال في دعائه: «اللهمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللهمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ» (١) تعلق قلبه به وحده توكلًا وتفويضًا واعتمادًا واستعانة واستغاثة، وانقطع عن التعلق بالمخاليق ولو كان على يدهم رزقه، فإذا شكرهم لإعطائهم شكرهم شُكر الموقن بأن الله هو الذي بسط له الرزق وأمره بشكر من أحسن إليه، وإذا ذمهم أو مقتهم لمنعهم الرزق فإنما ذلك لكونهم أساؤا إليه مع يقينه أن الله هو الباسط القابض.

ثم إن هذا التوكل لا يعني عدم الأخذ بالأسباب؛ لأن الله ﷿ قدر الأشياء وجعل لها أسبابًا متى قام العباد بها حصلت لهم.

قال الشيخ السعدي في هذا الاسم الكريم وأمثاله: «وكما أنه هو المنفرد بهذه الأمور كلها جارية تحت أقداره، فإن الله جعل لرفعه وعطائه وإكرامه أسبابًا، ولضد ذلك أسبابًا من قام بها ترتبت عليه مسبباتها، وكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فيُيَسَّرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فيُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة، وهذا يوجب للعبد القيام بتوحيد الله، والاعتماد على ربه في حصول ما يحب، ويجتهد في فعل الأسباب النافعة، فإنها محل حكمة الله» (٢).


(١) سبق تخريجه.
(٢) الحق الواضح المبين، للسعدي (ص: ٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>