إذا علم العبد أن ربه الخبير خبير بباطنه كظاهره، وسره كجهره، يعلم خطره وفكره، وما في قلبه من العقائد والمقاصد والأحقاد والأضغان والكبر والعجب، والتعلق بالدنيا، وإضمار الشر مع إظهار الخير، والتجمل بالإخلاص مع الإفلاس ونحو ذلك، وأن الكل مكشوف أمامه لا يخفى عليه ولا يغيب عنه، بل هو محل نظره، كما في الحديث عن أبي هريرة ﵁، أن رسول الله ﷺ قال:«إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»(١).
فإذا علم العبد هذا سارع لإصلاح باطنه كما يصلح ظاهره، وتخلص من آفاته كما يتخلص من آفات ظاهره، واعتنى بعمل قلبه كما يعتني بعمل جوارحه، وراقبه دومًا ولم يغفله.
وقد قال ابن القيم ﵀ في أهمية هذا الأمر: «إن لله على العبد عبوديتين: عبودية باطنة، وعبودية ظاهرة؛ فله على قلبه عبودية، وعلى لسانه وجوارحه عبودية، فقيامه بصورة العبودية الظاهرة مع التعري عن حقيقة العبودية الباطنة لا يقربه من الله، ولا يوجب له الثواب، وقبول عمله؛ فإن المقصود امتحان القلوب، وابتلاء السرائر، فعمل القلب هو روح العبودية ولبها، فإذا خلا عمل الجوارح منه كان كالجسد الموات بلا روح، والنية هي عمل القلب الذي هو ملك الأعضاء، والمقصود بالأمر والنهي.
فكيف يسقط واجبه، ويعتبر واجب رعيته وجنده وأتباعه اللاتي إنما شرعت واجباتها لأجله ولأجل صلاحه! وهل هذا إلا عكس القضية وقلب