بأمره ورهن مشيئته وحكمه، فمشيئة الله حاكمة على ما يبقى وما لا يبقى.
ومِن ثَمَّ فإن السلف الصالح يعتبرون خلود الجنة وأهلها إلى ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله وإرادته، فالبقاء عندهم ليس من طبيعة المخلوقات ولا من خصائصها الذاتية، بل من طبيعتها جميعا الفناء، فالخلود ليس لذات المخلوق أو طبيعته، وإنما هو بمدد دائم من الله تَعَالَى وإبقاء مستمر لا ينقطع، أما صفات الله ﷿ ومنها وجهه وعزته وعلوه ورحمته ويده وقدرته وملكه وقوته، فهي صفات باقية ببقائه ملازمة لذاته، حيث البقاء صفة ذاتية لهم، كما أن الأزلية صفة ذاتية له أيضًا.
فلا بد إذًا أن نفرق بين صفات الأفعال الإلهية وأبديتها، ومفعولات الله الأبدية وطبيعتها، وهذا ما جاء به القرآن؛ حيث فرق بين نوعين من البقاء؛ الأول: وهو بقاء الذات بصفاتها، كما في قوله تَعَالَى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٦ - ٢٧]، والثاني: في قوله تَعَالَى: ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى: ١٧].
فالآية الأولى دلت على صفة من صفات الذات، وهى صفة الوجه، ودلت على بقاء الصفة ببقاء الذات، فأثبتت بقاء الذات بصفاتها، وأثبتت فناء ما دونها أو إمكانية فنائه؛ إذ إن الله هو الأول والآخر، وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء.
[الأثر السادس: الدعاء باسمي الله الأول والآخر]
عن أبي هريرة ﵁، قال: «كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا أخذ أحدنا مضجعه أن يقول: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرَضِينَ، وَرَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ