للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأثر السابع: الصبر والشكر فيما يصيب العبد من قبض وبسط]

إذا عُلم ما سبق من أن القبض والبسط ليس دليلًا على الكرامة على الله، ولا الإهانة، كما قال سُبْحَانَهُ: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦) كَلَّا﴾ [الفجر: ١٥ - ١٧]، فليعم أن الله قدره ابتلاء وامتحان يمتحن به العباد؛ ليرى من يقوم له بالشكر والصبر فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، ومن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل، كما فعل بقارون، حينما بطر وأشر وكفر نعمة الله عليه ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾ [القصص: ٨١]، وكما فعل بصاحب الجنة الذي بُسط له في رزقه، فكان له جنتان من الكروم محفوفتان بسياج من النخيل، تتوسطهما الزروع، ويتفجر من بينهما الأنهار، فأذهله رزقه حتى نسي مُسديه وباسطه، فكفر به وجحد قيام الساعة، فأتاه العذاب الأليم ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا﴾ [الكهف: ٤٢ - ٤٣] (١).

وإذا استشعر العبد هذا وكان له على بال؛ سعى إلى ما يرضي الله في الحالين، فإن قبض عنه وضيق عليه رضي وصبر، وتيقن أن هذا قضاء قُدر عليه قبل أن يخلق، ومع ذلك لم ييأس من رحمة الله وفتحه وتبديل حاله من قبض لبسط، ومن منع لعطاء، ومن عسر ليسر ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: ٥، ٦] فيسعى لدفع هذا التضييق بالأسباب المشروعة مع تعلق


(١) ينظر: تفسير السعدي (ص: ٩٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>