للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأثر الخامس: التفريق بين الرفق والتفريط]

إن الرفق لا يعني التفريط والكسل وتفويت فرص الخير، بل الرفق الممدوح وسط بين العجلة والطيش وبين الكسل وتفويت الفرص، وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم : «والفرق بين المبادرة والعجلة: أن المبادرة انتهاز الفرص في وقتها، ولا يتركها حتى إذا فاتت طلبها، فهو لا يطلب الأمور في إدبارها، ولا قبل وقتها، بل إذا حضر وقتها بادر إليها، ووثب عليها وثوب الأسد على فريسته، فهو بمنزلة من يبادر إلى أخذ الثمرة وقت كمال نضجها وإدراكها، والعجلة طلب أخذ الشيء قبل وقته، فهو لشدة حرصه عليه بمنزلة من يأخذ الثمرة قبل أوان إدراكها، فالمبادرة وسط بين خلقين مذمومين؛ أحدهما: التفريط والإضاعة، والثاني: الاستعجال قبل الوقت؛ ولهذا كانت العجلة من الشيطان، فإنها خفة وطيش، وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم، وتوجب له وضع الأشياء في غير مواضعها، وتجلب عليه أنواعًا من الشرور وتمنعه من الخير، وهي قرين الندامة، فقل من استعجل إلا ندم، كما أن الكسل قرين الفوت والإضاعة» (١).

وقال أبو حاتم : «الواجب على العاقل: لزوم الرفق في الأمور كلها، وترك العجلة والخفة فيها؛ إذ الله تَعَالَى يحب الرفق في الأمور كلها، ومن منع الرفق منع الخير، كما أن من أعطي الرفق أعطي الخير، ولا يكاد المرء يتمكن من بغيته في سلوك قصده في شيء من الأشياء على حسب الذي يحب، إلا بمقارنة الرفق ومفارقة العجلة» (٢).


(١) الروح، لابن القيم (ص: ٢٥٨).
(٢) روضة العقلاء، لابن حبان البستي (ص: ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>